البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٦٤
الرجال بالذاب عن المناضل دونه عند الخوف. يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ في تلك الحالة، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت، حذرا وخورا ولواذا، فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة، نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير، وهو المال والغنيمة وسوء تلك الحالة الأولى، واجترءوا عليكم وضربوكم بألسنتهم، وقالوا :
وفروا قسمتنا، فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم، وبنا نصرتم عليهم. انتهى. وهو تكثير وتحميل للفظ ما لا يحتمله كعادته. وقرأ الجمهور : أَشِحَّةً، بالنصب. قال الفراء : على الذم، وأجاز نصبه على الحال، والعامل يعوقون. وقال الطبري : حال من هَلُمَّ إِلَيْنا. وقال الزجاج : حال من وَلا يَأْتُونَ وقيل : حال من الْمُعَوِّقِينَ وقيل : من الْقائِلِينَ، ورد القولان بأن فيهما تفريقا بين الموصول وما هو من تمام صلته. وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة، بالرفع على إضمار مبتدأ، أي هم أشحة.
فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ من العدو، وتوقع أن يستأصل أهل المدينة، لاذ هؤلاء المنافقون بك ينظرون نظر الهلوع المختلط النظر، الذي يغشى عليه من الموت.
وتَدُورُ : في موضع الحال، أي دائرة أعينهم. كَالَّذِي : في موضع الصفة لمصدر محذوف، وهو مصدر مشبه، أي دورانا كدوران عين الذي يغشى عليه. فبعد الكاف محذوفان وهما : دوران وعين، ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمصدر من يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، نظرا كنظر الذي يغشى عليه. وقيل : إذا جاء الخوف من القتال، وظهر المسلمون على أعدائهم، رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ في رؤوسهم، وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم. قال قتادة : بسطوا ألسنتهم فيكم. قال يزيد بن رومان : في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع. وقال قتادة : في طلب العطاء من الغنيمة، والإلحاف في المسألة. وقيل : السلق في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمجاملة. وقرأ الجمهور : سَلَقُوكُمْ، بالسين وابن أبي عبلة : بالصاد. وقرأ ابن أبي عبلة : أشحة بالرفع، أي هم أشحة والجمهور : بالنصب على الحال من سَلَقُوكُمْ، وعلى الخبر يدل على عموم الشح في قوله أولا : أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ. وقيل : في هذا : أشحة على مال الغنائم. وقيل : على مالهم الذي ينفقونه. وقيل : على الرسول بظفره.
أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا، إشارة إلى المنافقين : أي لم يكن لهم قط إيمان. والإحباط :
عدم قبول أعمالهم، فكانت كالمحبطة. وقال الزمخشري : فإن قلت : هل يثبت للمنافق عمل حتى يرد عليه الإحباط؟ قلت : لا، ولكن تعليم لمن عسى يظن أن الإيمان باللسان


الصفحة التالية
Icon