البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٦٨
بعهود الإسلام على التمام. فالشهداء منهم، والعشرة الذين شهد لهم الرسول بالجنة، منهم من حصل في هذه المرتبة بما لم ينص عليه، ويصحح هذا القول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقد سئل من الذي قضى نحبه وهو على المنبر؟ فدخل طلحة بن عبيد اللّه فقال : هذا ممن قضى نحبه.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ : إذا فسر قضاء النحب بالشهادة، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الشهادة وإذا فسر بالوفاء لعهود الإسلام، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح. وقال مجاهد : ينتظر يوما فيه جهاد، فيقضي نحبه. وَما بَدَّلُوا : لا المستشهدون، ولا من ينتظر. وقد ثبت طلحة يوم أحد حتى أصيبت يده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أوجب طلحة»
، وفيه تعريض لمن بدل من المنافقين حين ولوا الأدبار، وكانوا عاهدوا لا يولون الأدبار.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ : أي الذين صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، بِصِدْقِهِمْ :
أي بسبب صدقهم. وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ، وعذابهم متحتم. فكيف يصح تعليقه على المشيئة، وهو قد شاء تعذيبهم إذا وفوا على النفاق؟ فقال ابن عطية : تعذيب المنافقين ثمرته إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم، والتوبة موازية لتلك الإقامة، وثمرة التوبة تركهم دون عذاب. فهما درجتان : إقامة على نفاق، أو توبة منه. وعنهما ثمرتان : تعذيب، أو رحمة. فذكر تعالى، على جهة الإيجاز، واحدة من هاتين، وواحدة من هاتين. ودل ما ذكر على ما ترك ذكره، ويدلك على أن معنى قوله : وَيُعَذِّبَ، أي : ليديم على النفاق، قوله : إِنْ شاءَ، ومعادلته بالتوبة، وحذف أو. انتهى. وكان ما ذكر يؤول إلى أن التقدير : ليقيموا على النفاق، فيموتوا عليه، إن شاء فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم.
فحذف سبب التعذيب، وأثبت المسبب، وهو التعذيب. وأثبت سبب الرحمة والغفران، وحذف المسبب، وهو الرحمة والغفران، وهذا من الإيجاز الحسن. وقال الزمخشري :
ويعذبهم إن شاء إذا لم يتوبوا، ويتوب عليهم إذا تابوا. انتهى. ولا يجوز تعليق عذابهم إذا لم يتوبوا بمشيئته تعالى، لأنه تعالى قد شاء ذلك وأخبر أنه يعذب المنافقين حتما لا محالة.
واللام في لِيَجْزِيَ، قيل : لام الصيرورة وقيل : لام التعليل، ويتعلق بقوله : وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبة من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلهما. وقال السدي :
المعنى : إن شاء يميتهم على نفاقهم، أو يتوب عليهم بفعلهم من النفاق بتقبلهم الإيمان.


الصفحة التالية
Icon