البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٧٠
ومصل بعد العشاء، وكل مصيب. فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، وقيل : إحدى وعشرين، وقيل : خمسة عشر. فنزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي، لحلف كان بينهم، رجوا حنوه عليهم، فحكم أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية والعيال والأموال، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار. فقالت له الأنصار في ذلك، فقال : أردت أن يكون لهم أموال كما لكم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرفعة»، ثم استنزلهم، وخندق لهم في سوق المدينة، وقدمهم فضرب أعناقهم، وهم من بين ثمانمائة إلى تسعمائة.
وقيل : كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير. وجيء يحيي بن أخطب النضيري، وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدخل عندهم وفاء لهم، فترك فيمن ترك على حكم سعد. فلما قرب، وعليه حلتان تفاحيتان، مجموعة يداه إلى عنقه، أبصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال : يا محمد! واللّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولكن من يخذل اللّه يخذل. ثم قال : أيها الناس، إنه لا بأس أمر اللّه وقدره، ومحنة كتبت على بني إسرائيل، ثم تقدم فضربت عنقه.
وقال فيه بعض بني ثعلبة :
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل اللّه يخذل
لا جهد حتى أبلغ النفس عذرها وقلقل يبغي الغد كل مقلقل
وقتل من نسائهم امرأة، وهي لبابة امرأة الحكم القرظي، كانت قد طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتل ولم يستشهد في حصار بني قريظة غيره. ومات في الحصار أبو سفيان بن محصن، أخو عكاشة بن محصن، وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة. وقرأ الجمهور : وتأسرون، بتاء الخطاب وكسر السين وأبو حيوة :
بضمها واليماني : بياء الغيبة وابن أنس، عن ابن ذكوان : بياء الغيبة في : تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ. وَأَوْرَثَكُمْ : فيه إشعار أنه انتقل إليهم ذلك بعد موت أولئك المقتولين ومن نقلهم من أرضهم، وقدمت لكثرة المنفعة بها من النخل والزرع، ولأنهم باستيلائهم عليها ثانيا وأموالهم ليستعان بها في قوة المسلمين للجهاد، ولأنها كانت في بيوتهم، فوقع الاستيلاء عليها ثالثا. وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها : وعد صادق في فتح البلاد، كالعراق والشام واليمن ومكة، وسائر فتوح المسلمين. وقال عكرمة : أخبر تعالى أن قد قضى بذلك. وقال الحسن : أراد الروم وفارس. وقال قتادة : كنا نتحدث أنها مكة. وقال مقاتل، ويزيد بن رومان، وابن زيد : هي خيبر وقيل : اليمن ولا وجه لهذه التخصيصات، ومن بدع