البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥١٩
ثم أكد الجواب بالقسم على البعث، واتبع القسم بقوله : عالِمِ الْغَيْبِ وما بعده، ليعلم أن إنباتها من الغيب الذي تفرد به تعالى. وجاء القسم بقوله : وَرَبِّي مضافا إلى الرسول، ليدل على شدّة القسم، إذ لم يأت به في الاسم المشترك بينه وبين من أنكر الساعة، وهو لفظ اللّه. وقرأ نافع، وابن عامر، ورويس، وسلام، والجحدري، وقعنب :
عالِمِ بالرفع على إضمار هو وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون مبتدأ، والخبر لا يَعْزُبُ. وقال الحوفي : أو خبره محذوف، أي عالم الغيب هو، وباقي السبعة : عالم بالجر. قال ابن عطية، وأبو البقاء : وذلك على البدل. وأجاز أبو البقاء أن تكون صفة، ويعني أن عالم الغيب يجوز أن يتعرف، وكذا كل ما أضيف إلى معرفة مما كان لا يتعرف بذلك يجوز أن يتعرف بالإضافة، إلا الصفة المشبهة فلا تتعرف بإضافة. ذكر ذلك سيبويه في كتابه، وقل من يعرفه. وقرأ ابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي : علام على المبالغة والخفض، وتقدّمت قراءة يعزب في يونس.
وقرأ الجمهور : وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ، برفع الراءين، واحتمل أن يكون معطوفا على مِثْقالُ، وأن يكون مبتدأ، والخبر في قوله : إِلَّا فِي كِتابٍ وعلى الاحتمال الأول، يكون إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ توكيدا لما تضمن النفي في قوله : لا يَعْزُبُ، وتقديره : لكنه في كتاب مبين، وهو كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به، فكأنه في كتاب، وليس ثم كتاب حقيقة. وعلى التخريج الأول، يكون الكتاب هو اللوح المحفوظ. وقرأ الأعمش، وقتادة : بفتح الراءين. قال ابن عطية : عطفا على ذَرَّةٍ.
ورويت عن أبي عمرو، وعزاها أيضا إلى نافع، ولا يتعين ما قال، بل تكون لا لنفي الجنس، وهو مبتدأ، أعني مجموع لا وما بني معها على مذهب سيبويه، والخبر إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، وهو من عطف الجمل، لا من عطف المفردات، كما قال ابن عطية.
وقال الزمخشري : جوابا لسؤال من قال : هل جاز عطف وَلا أَصْغَرُ على مِثْقالُ، وعطف وَلا أَصْغَرُ على ذَرَّةٍ؟ قلت : يأبى ذلك حرف الاستثناء، إلا إذا جعلت الضمير في عنه للغيب، وجعلت الغيب اسما للخفيات قبل أن تكتب في اللوح، لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزول عنه إلا مسطورا في اللوح. انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التأويل إذا جعلنا الكتاب المبين ليس اللوح المحفوظ. وقرأ زيد بن علي : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بخفض الراءين بالكسرة، كأنه نوى مضافا إليه محذوفا، التقدير : ولا أصغره ولا أكبره، ومن ذلك


الصفحة التالية
Icon