البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٢٢
لكم : إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، ثم أكد ذلك بقوله : إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. ويحتمل أن يكون : إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ معمولا لينبئكم، ينبئكم متعلق، ولو لا اللام في خبر إن لكانت مفتوحة، فالجملة سدت مسد المفعولين. والجملة الشرطية على هذا التقدير اعتراض، وقد منع قوم التعليق في باب أعلم، والصحيح جوازه. قال الشاعر :
حذار فقد نبئت أنك للذي ستنجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى
وممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول، على القياس في اسم المصدر من كل فعل زائد على الثلاثة، كقوله :
ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عيابهن ولا اجتلابا
أي : تسريحي القوافي. وأجاز الزمخشري أن يكون ظرف مكان، أي إذا مزقتم في مكان من القبور وبطون الطير والسباع، وما ذهبت به السيول كل مذهب، وما نسفته الرياح فطرحته كل مطرح. انتهى. وجَدِيدٍ، عند البصريين، بمعنى فاعل، تقول : جد فهو جاد وجديد، وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه. والظاهر أن قوله : أَفْتَرى من قول بعضهم لبعض، أي هو مفتر، عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيما ينسب إليه من أمر البعث، أَمْ بِهِ جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه. عادلوا بين الافتراء والجنون، لأن هذا القول عندهم إنما يصدر عن أحد هذين، لأنه إذا كان يعتقد خلاف ما أتى به فهو مفتر، وإن كان لا يعتقده فهو مجنون. ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال : هَلْ نَدُلُّكُمْ، ردد بين الشيئين ولم يجزم بأحدهما، حيث جوز هذا وجوز هذا، ولم يجزم بأنه افتراء محض، احترازا من أن ينسب الكذب لعاقل نسبة قطعية، إذ العاقل حتى الكافر لا يرضى بالكذب، لا من نفسه ولا من غيره، وأضرب تعالى عن مقالتهم، والمعنى : ليس للرسول كما نسبتم البتة، بل أنتم في عذاب النار، أو في عذاب الدنيا بما تكابدونه من إبطال الشرع وهو بحق، وإطفاء نور اللّه وهو متم.
ولما كان الكلام في البعث قال : بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، فرتب العذاب على إنكار البعث، وتقدم الكلام في وصف الضلال بالبعد، وهو من أوصاف المحال استعير للمعنى، ومعنى بعده : أنه لا ينقضي خبره المتلبس به. أَفَلَمْ يَرَوْا : أي هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة، إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ : أي حيث ما تصرفوا، فالسماء والأرض قد أحاطتا بهم، ولا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما، ولا يخرجوا عن ملكوت اللّه