البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٢٨
يعدل عن أمرنا الذي أمرناه به من طاعة سليمان. وقرىء : يزغ بضم الياء من أزاغ : أي ومن يمل ويصرف نفسه عن أمرنا. وعَذابِ السَّعِيرِ : عذاب الآخرة، قاله ابن عباس. وقال السدي : كان معه ملك بيده سوط من نار، كلما استعصى عليه ضربه من حيث لا يراه الجني.
ولبعض الباطنية، أو من يشبههم، تحريف في هذه الجمل. إن تسبيح الجبال هو نوع قوله : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ «١»، وإن تسخير الريح هو أنه راض الخيل وهي كالريح، وإن غُدُوُّها شَهْرٌ يكون فرسخا، لأن من يخرج للتفرج لا يسير في غالب الأمر أشد من فرسخ. وإلانة الحديد وإسالة القطر هو استخراج ذوبهما بالنار واستعمال الآلات منهما.
وَمِنَ الْجِنِّ : هم ناس من بني آدم أقوياء شبهوا بهم في قواهم، وهذا تأويل فاسد وخروج بالجملة عما يقوله أهل التفسير في الآية، وتعجيز للقدرة الإلهية، نعوذ باللّه من ذلك. والمحاريب، قال مجاهد : المشاهد، سميت باسم بعضها تجوزا. وقال ابن عطية :
القصور. وقال قتادة : كليهما. وقال ابن زيد : مساكن. وقيل : ما يصعد اليه بالدرج، كالغرف. والتماثيل : الصور، وكانت لغير الحيوان. وقال الضحاك : كانت تماثيل حيوان، وكان عملها جائزا في ذلك الشرع. وقال الزمخشري : هي صور الملائكة والنبيين، والصالحين، كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام، ليراها الناس، فيعبدوا نحو عبادتهم، وهذا مما يجوز أن يختلف فيه الشرائع، لأنه ليس من مقبحات الفعل، كالظلم والكذب. وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرما، أو صورا محذوفة الرؤوس. انتهى، وفيه بعض حذف. وقيل : التماثيل طلسمات، فيعمل تمثالا للتمساح، أو للذباب، أو للبعوض، ويأمر أن لا يتجاوز ذلك الممثل به ما دام ذلك التمثال والتصوير حرام في شريعتنا. وقد ورد تشديد الوعيد على المصورين، ولبعض العلماء استثناء في شيء منها. وفي حديث سهل بن حنيف : لعن اللّه المصورين، ولم يستثن عليه الصلاة والسلام. وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير، وحكاه النحاس عن قوم واحتجوا بقوله : وَتَماثِيلَ، قاله ابن عطية، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه.
وقرىء : كَالْجَوابِ بلا ياء، وهو الأصل، اجتزاء بالكسرة، وإجراء الألف واللام مجرى ما عاقبها، وهو التنوين، وكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه، وهو أل.
والراسيات : الثابتات على الأثافي، فلا تنقل ولا تحمل لعظمها. وقدمت المحاريب