البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٣٤
آيَةٌ : أي علامة دالة على اللّه وعلى قدرته وإحسانه ووجوب شكره، أو جعل قصتهم لأنفسهم آية، إذ أعرض أهلها عن شكر اللّه عليهم، فخربهم وأبدلهم عنها الخمط والأثل ثمرة لهم وجَنَّتانِ : خبر مبتدأ محذوف، أي هي جنتان، قاله الزجاج، أو بدل، قال معناه الفراء، قال : رفع لأنه تفسير لآية. وقال مكي وغيره، وضعفه ابن عطية، ولم يذكر جهة تضعيفه. وقال : جَنَّتانِ ابتداء، وخبره في قوله : عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ. انتهى. ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها، إلا إن اعتقد إن ثم صفة محذوفة، أي جنتان لهم، أو عظيمتان لهم عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام مفلتا مما قبله. وقرأ ابن أبي عبلة : جنتين بالنصب، على أن آية اسم كان، وجنتين الخبر. قيل : ووجه كون الجنتين آية نبات الخمط والأثل والسدر مكان الأشجار المثمرة. قال قتادة : كانت بساتينهم ذات أشجار وثمار تسر الناس بظلالها، ولم يرد جنتين ثنتين، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة. انتهى. قال الزمخشري : وإنما أراد جماعة من البساتين عن يمين بلدتهم، وأخرى عن شمالها، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة، كما يكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله، كما قال : جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ «١». انتهى. قال ابن زيد : لا يوجد فيها برغوث، ولا بعوض، ولا عقرب، ولا تقمل ثيابهم، ولا تعيا دوابهم وكانت المرأة تمشي تحت الأشجار، وعلى رأسها المكتل، فيمتلىء ثمارا من غير أن تتناول بيدها شيئا. وروي نحو هذا عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس.
كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ : قول اللّه لهم على ألسنة الأنبياء المبعوثين إليهم، وروي ذلك مع الإيمان باللّه، أو قول لسان الحال لهم، كما رأوا نعما كثيرة وأرزاقا مبسوطة، وفيه إشارة إلى تكميل النعمة عليهم، حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض.
وَاشْكُرُوا لَهُ على ما أنعم به عليكم، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ : أي كريمة التربة، حسنة الهواء، رغدة النعم، سليمة من الهوامّ والمضار، وَرَبٌّ غَفُورٌ، لا عقاب على التمتع بنعمه في الدنيا، ولا عذاب في الآخرة، فهذه لذة كاملة خالية عن المفاسد العاجلة والمآلية. وقرأ رويس : بنصب الأربعة. قال أحمد بن يحيى : اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا. وقال الزمخشري : منصوب على المدح. ولما ذكر تعالى ما كان من جانبه من الإحسان إليهم، ذكر ما كان من جانبهم في مقابلته فقال : فَأَعْرَضُوا : أي عما جاء به إليهم أنبياؤهم،

(١) سورة الكهف : ١٨/ ٣٢.


الصفحة التالية
Icon