البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٣٦
فقالوا : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ، قيل : الأوس والخزرج منهم. وعن ابن عباس : كان سيل ذلك الوادي يصل إلى مكة وينتفع به، وكان سيل العرم في ملك ذي الأذعار بن حسان، في الفترة بين عيسى ونبينا صلّى اللّه عليه وسلّم. انتهى.
ودخلت الباء في بِجَنَّتَيْهِمْ على الزائل، وانتصب ما كان بدلا، وهو قوله :
جَنَّتَيْنِ على المعهود في لسان العرب، وإن كان كثيرا لمن ينتمي للعلم يفهم العكس حتى قال بعضهم : ولو أبدل ضادا بظاء لم تصح صلاته، وهو خطأ في لسان العرب، ولو أبدل ظاء بضاد، وقد تكلمنا على ذلك في البقرة في قوله : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ «١». وسمى هذا المعوض جنتين على سبيل المقابلة، لأن ما كان فيه خمط وأثل وسدر لا يسمى جنة، لأنها أشجار لا يكاد ينتفع بها. وجاءت تثنية ذات على الأصح في رد عينها في التثنية فقال : ذَواتَيْ أُكُلٍ، كما جاء ذَواتا أَفْنانٍ «٢». ويجوز أن لا ترد فتقول : ذاتا كذا على لفظ ذات، وتقدم ذكر الخلاف في ضم كاف أكل وسكونها. وقرأ الجمهور : أكل منونا، والأكل : الثمر المأكول، فخرجه الزمخشري على أنه على حذف مضاف، أي أكل خمط قال أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتي أكل شبع. انتهى.
والوصف بالأسماء لا يطرد، وإن كان قد جاء منه شيء، نحو قولهم : مررت بقاع عرفج كله. وقال أبو علي : البدل في هذا لا يحسن، لأن الخمط ليس بالأكل نفسه. انتهى. وهو جائز على ما قاله الزمخشري، لأن البدل حقيقة هو ذلك المحذوف، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه. قال أبو علي : والصفة أيضا كذلك، يريد لا بجنتين، لأن الخمط اسم لا صفة، وأحسن ما فيه عطف البيان، كأنه بين أن الأكل هذه الشجرة ومنها. انتهى. وهذا لا يجوز على مذهب البصريين، إذ شرط عطف البيان أن يكون معرفة، وما قبله معرفة، ولا يجيز ذلك في النكرة من النكرة إلا الكوفيون، فأبو علي أخذ بقولهم في هذه المسألة. وقرأ أبو عمرو : أكل خمط بالإضافة : أي ثمر خمط. وقرىء : وأثلا وشيئا بالنصب، حكاه الفضل بن إبراهيم، عطفا على جنتين. وقليل صفة لسدر، وقلله لأنه كان أحسن أشجاره وأكرم، قاله الحسن، وذلك إشارة إلى ما أجراه عليهم من تخريب بلادهم، وإغراق أكثرهم، وتمزيقهم في البلاد، وإبدالهم بالأشجار الكثيرة الفواكه الطيبة المستلذة، الخمط والأثل والسدر. ثم ذكر سبب ذلك، وهو كفرهم باللّه وإنكار نعمه. وَهَلْ نُجازِي بذلك العقاب إِلَّا الْكَفُورَ : أي المبالغ في الكفر، يجازي بمثل فعله قدرا بقدر، وأما المؤمن

(١) سورة البقرة : ٢/ ١٠٨.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥/ ٤٨.


الصفحة التالية
Icon