البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤
بَعْضٍ
مبتدأ وخبره في موضع خبر ظُلُماتٌ. والظاهر أنه لا يجوز لعدم المسوغ فيه للابتداء بالنكرة إلّا إن قدرت صفة محذوفة أي ظلمات كثيرة أو عظيمة بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ. وقرأ البزي سَحابٌ ظُلُماتٌ بالإضافة. وقرأ قنبل سَحابٌ بالتنوين ظُلُماتٌ بالجر بدلا من ظُلُماتٌ وبَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ مبتدأ وخبر في موضع الصفة لكظلمات.
قال الحوفي : ويجوز على رفع ظُلُماتٌ أن يكون بَعْضُها بدلا منها، وهو لا يجوز من جهة المعنى لأن المراد واللّه أعلم الأخبار بأنها ظلمات، وأن بعض تلك الظلمات فوق بعض أي هي ظلمات متراكمة وليس على الأخبار بأن بعض ظلمات فوق بعض من غير إخبار بأن تلك الظلمات السابقة ظلمات متراكمة. وتقدم الكلام في كاد إذا دخل عليها حرف نفي مشبعا في البقرة في قوله وَما كادُوا يَفْعَلُونَ «١» فأغنى عن إعادته، والمعنى هنا انتفاء مقاربة الرؤية، ويلزم من ذلك انتفاء الرؤية ضرورة وقول من اعتقد زيادة يكد أو أنه يراها بعد عسر ليس بصحيح، والزيادة قول ابن الأنباري وأنه لم يرها إلّا بعد الجهد قول المبرد والفراء.
وقال ابن عطية ما معناه : إذا كان الفعل بعد كاد منفيا دل على ثبوته نحو كاد زيد لا يقوم، أو مثبتا دل على نفيه كاد زيد يقوم، وإذا تقدم النفي على كاد احتمل أن يكون منفيا تقول : المفلوخ لا يكاد يسكن فهذا تضمن نفي السكون. وتقول : رجل منصرف لا يكاد يسكن فهذا تضمن إيجاب السكون بعد جهد انتهى. والظاهر أن هذا التشبيه الثاني هو تشبيه أعمال الكفار بهذه الظلمات المتكاثفة من غير مقابلة في المعنى بأجزائه لا جزاء المشبه.
قال الزمخشري : وشبهها يعني أعماله في ظلمتها وسوادها لكونا باطلة، وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لجج البحر والأمواج والسحاب، ومنهم من لاحظ التقابل فقال : الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة. والبحر اللجيّ صدر الكافر وقلبه، والموج الضلال والجهالة التي غمرت قلبه والفكر المعوجة والسحاب شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان.
وقال الفراء : هذا مثل لقلب الكافر أي إنه يعقل ولا يبصر. وقيل الظلمات أعماله والبحر هواه. القيعان القريب الغرق فيه الكثير الخطر، والموج ما يغشى قلبه من