البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٢
شفاعتهم، أي لا يقع من معبوداتهم شفاعة أصلا. ولأن عابديهم كفار، فإن كان المعبودون أصناما أو كفارا، كفرعون، فسلب الشفاعة عنهم ظاهر، وإن كانوا ملائكة أو غيرهم ممن عبد، كعيسى عليه السلام، فشفاعتهم إذا وجدت تكون لمؤمن. وإِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ :
استثناء مفرغ، فالمستثنى منه محذوف تقديره : ولا تنفع الشفاعة لأحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.
واحتمل قوله لأحد أن يكون مشفوعا له، وهو الظاهر، فيكون قوله : إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ، أي المشفوع، أذن لأجله أن يشفع فيه والشافع ليس بمذكور، وإنما دل عليه المعنى.
واحتمل أن يكون شافعا، فيكون قوله : إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ بمعنى : إلا لشافع أذن له أن يشفع، والمشفوع ليس بمذكور، إنما دل عليه المعنى. وعلى هذا الاحتمال تكون اللام في أَذِنَ لَهُ لام التبليغ، لا لام العلة. وقال الزمخشري : يقول : الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع، كما يقول : الكرم لزيد، وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول : القيام لزيد، فاحتمل قوله : وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن يكون على أحد هذين الوجهين، أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له، أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له، أي لشفيعه، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو، أي لأجله، وكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، وهذا وجه لطيف، وهو الوجه، وهذا تكذيب لقولهم : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «١». انتهى. فجعل إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ استثناء مفرغا من الأحوال، ولذلك قدره : إلا كائنة، وعلى ما قررناه استثناء من الذوات.
وقال أبو عبد اللّه الرازي : المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة : قائل : إن اللّه خلق السموات وجعل الأرض والأرضيات في حكمها، ونحن من جملة الأرضيات، فنعبد الكواكب والملائكة السماوية، وهم إلهنا، واللّه إلههم، فأبطل بقوله : لا يَمْلِكُونَ، فِي السَّماواتِ، كما اعترفتم، وَلا فِي الْأَرْضِ، خلاف ما زعمتم. وقائل : السموات من اللّه استبدادا، والأرضيات منه بواسطة الكواكب، فإنه تعالى خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات وحركات وطوالع، فجعلوا مع اللّه شركاء في الأرض، والأولون جعلوا الأرض لغيره، فأبطل بقوله : وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ، أي الأرض، كالسماء للّه لا لغيره، ولا لغيره فيهما نصيب. وقائل : التركيبات والحوادث من اللّه، لكن فوض إلى الكواكب، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن، ويسلب عن المأذون له فيه، جعلوا السموات