البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٤٦
سواد المصحف. وقالوا أيضا في قوله تعالى : حَتَّى إِذا فُزِّعَ أقوالا غير ما سبق. قال كعب : إذا تكلم اللّه عز وجل بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا، قالوا فيما بينم : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ. وقيل : إذا دعاهم إسرافيل من قبورهم، قالوا مجيبين ماذا، وهو من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ، كما قاله زهير :
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
وقيل : هو فزع ملائكة أدنى السموات عند نزول المدبرات إلى الأرض. وقيل : لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وبعث اللّه محمدا، أنزل اللّه جبريل بالوحي، فظنت الملائكة أنه قد نزل بشيء من أمر الساعة، وصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة ومقاتل وابن السائب. وقيل : الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض، ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم اللّه فانحدروا، سمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا يصعقون، رواه الضحاك عن ابن مسعود.
وهذه الأقوال والتي قبلها لا تكاد تلائم ألفاظ القرآن، فاللّه أسأل أن يرزقنا فهم كتابه، وأقربها عندي أن يكون الضمير في قُلُوبِهِمْ عائدا على من عاد عليه اتبعوه وعليهم، وممن هو منها في شك، وتكون الجملة بعد ذلك اعتراضا. وقوله : قالُوا، أي الملائكة، لأولئك المتبعين الشاكين يسألونهم سؤال توبيخ : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ، على لسان من بعث إليكم بعد أن كشف الغطاء عن قلوبهم، فيقرون إذ ذاك أن الذي قاله، وجاءت به أنبياؤه، وهو الحق، لا الباطل الذي كنا فيه من اتباع إبليس. وشكنا في البعث ماذا يحتمل أن تكون ما منصوبة بقال، أي أي شيء قال ربكم، وأن يكون في موضع رفع على أن ذا موصولة، أي ما الذي قال ربكم، وذا خبره، ومعمول قال ضمير محذوف عائد على الموصول. وقرأ ابن أبي عبلة : قالوا الحق، برفع الحق، خبر مبتدأ، أي مقوله الحق، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، تنزيه منهم له تعالى وتمجيد. ثم رجع إلى خطاب الكفار فسألهم عمن يرزقهم، محتجا عليهم بأن رازقهم هو اللّه، إذ لا يمكن أن يقولوا إن آلهتهم ترزقهم وتسألهم أنهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وأمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : قُلِ اللَّهُ، لأنهم قد لا يجيبون حبا في العناد وإيثارا للشرك.
ومعلوم أنه لا جواب لم ولا لأحد إلا بأن يقول هو اللّه. وَإِنَّا : أي الموحدين الرازق العابدين، أَوْ إِيَّاكُمْ : المشركين العابدين الأصنام والجمادات. لَعَلى هُدىً : أي