البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٥٠
أي : تسليت عنكم طرا، أي جميعا. وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به، ومن ذلك قول الشاعر :
مشغوفة بك قد شغفت وإنما حتم الفراق فما إليك سبيل
وقال آخر :
غافلا تعرض المنية للمرء فيدعى ولات حين إباء
أي : شغفت بك مشغوفة، وتعرض المنية للمرء غافلا. وإذا جاز تقديمها على المجرور والعامل، فتقديمها عليه دون العامل أجوز، وعلى أن كافة حال من الناس، حمله ابن عطية وقال : قدمت للاهتمام والمنقول عن ابن عباس قوله : أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وتقدير إلى الناس كافة. انتهى. وقول الزمخشري : وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ، إلى آخر كلامه، شنيع. لأن قائل ذلك لا يحتاج إلى أن يتأول اللام بمعنى إلى، لأن أرسل يتعدى بإلى ويتعدى باللام، كقوله : وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا «١». ولو تأول اللام بمعنى إلى، لم يكن ذلك خطأ، لأن اللام قد جاءت بمعنى إلى، وإلى قد جاءت بمعنى اللام، وأرسل مما جاء متعديا بهما إلى المجرور. ثم حكى تعالى مقالتهم في الاستهزاء بالبعث، واستعجالهم على سبيل التكذيب، ولم يجابوا بتعيين الزمان، إذ ذاك مما انفرد تعالى بعلمه، بل أجيبوا بأن ما وعدوا به لا بد من وقوعه، وهو ميعاد يوم القيامة، وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة، ويجوز أن يكون سؤالهم عما وعدوا به من العذاب في الدنيا واستعجلوا به استهزاء منهم. وقال أبو عبيد : الوعد والوعيد والميعاد بمعنى. وقال الجمهور : الوعد في الخير، والوعيد في الشر، والميعاد يقع لهذا. والظاهر أن الميعاد اسم على وزن مفعال استعمل بمعنى المصدر، أي قل لكم وقوع وعد يوم وتنجيزه. وقال الزمخشري : الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان، وهو هاهنا الزمان، والدليل عليه قراءة من قرأ ميعاد يوم فأبدل منه اليوم. انتهى. ولا يتعين ما قال، إذ يكون بدلا على تقدير محذوف، أي قل لكم ميعاد يوم، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه.
وقرأ الجمهور : مِيعادُ يَوْمٍ بالإضافة. ولما جعل الزمخشري الميعاد ظرف زمان قال : أما الإضافة فإضافة تبيين، كما تقول : سحق ثوب وبعير سانية. وقرأ ابن أبي عبلة، واليزيدي : ميعاد يوما بتنوينهما. قال الزمخشري : وأما نصب اليوم فعلى التعظيم بإضمار

(١) سورة النساء : ٤/ ٧٩.


الصفحة التالية
Icon