البحر المحيط، ج ٨، ص : ٧
يدخل عليه أداة الشرط وغير سيبويه ممن ذكرنا لم يشرط ذلك، وتقرير المذهبين والترجيح مذكور في النحو. وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وشيبة وأبو السمال ورويس الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي بنصبهما على الاشتغال، أي واجلدوا الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي كقولك زيدا فاضربه، ولدخول الفاء تقرير ذكر في علم النحو والنصب هنا أحسن منه في سُورَةٌ أَنْزَلْناها لأجل الأمر، وتضمنت السورة أحكاما كثيرة فيما يتعلق بالزنا ونكاح الزواني وقذف المحصنات والتلاعن والحجاب وغير ذلك. فبدىء بالزنا لقبحه وما يحدث عنه من المفاسد والعار. وكان قد نشأ في العرب وصار من إمائهم أصحاب رايات وقدّمت الزانية على الزاني لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها، ولأن زناها أفحش وأكثر عارا وللعلوق بولد الزنا وحال النساء الحجبة والصيانة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : قدّمت الزانية على الزاني أولا ثم قدم عليها ثانيا؟
قلت : سبقت تلك الآية لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة على المادة التي منها نشأت الجناية، فإنها لو لم تطمع الرجل ولم تربض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلا وأولا في ذلك بدىء بذكرها، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والخاطب ومنه يبدأ الطلب انتهى. ولا يتم هذا الجواب في الثانية إلّا إذا حمل النكاح على العقد لا على الوطء. وأل في الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي للعموم في جميع الزناة.
وقال ابن سلام وغيره : هو مختص بالبكرين والجلد إصابة الجلد بالضرب كما تقول : رأسه وبطنه وظهره أي ضرب رأسه وبطنه وظهره وهذا مطرد في أسماء الأعيان الثلاثية العضوية، والظاهر اندراج الكافر والعبد والمحصن في هذا العموم وهو لا يندرج في المجنون ولا الصبيّ بإجماع. وقال ابن سلام وغيره : واتفق فقهاء الأمصار على أن المحصن يرجم ولا يجلد. وقال الحسن وإسحاق وأحمد : يجلد ثم يرجم. وجلد عليّ رضي اللّه عنه شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال : جلدتها بكتاب اللّه ورجمتها بسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
، ولا حجة في كون مرجومة أنيس والغامدية لم ينقل جلدهما لأن ذلك معلوم من أحكام القرآن فلا ينقل إلّا ما كان زائدا على القرآن وهو الرجم، فلذلك ذكر الرجم ولم يذكر الجلد. ومذهب أبي حنيفة أن من شرط الإحصان الإسلام، ومذهب الشافعي أنه ليس بشرط، واتفقوا على أن الأمة تجلد خمسين وكذا العبد على مذهب الجمهور. وقال أهل الظاهر : يجلد العبد مائة ومنهم من قال : تجلد الأمة مائة إلّا إذا تزوجت فخمسين، والظاهر اندراج الذمّيين في الزانية والزاني فيجلدان عند أبي حنيفة والشافعي وإذا كانا محصنين