البحر المحيط، ج ٨، ص : ٨١
غاية ومنتهى، ومعناه فَقَدَّرَهُ للبقاء إلى أمد معلوم. وقال ابن عطية : تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإتقان انتهى.
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً الضمير في وَاتَّخَذُوا عائد على ما يفهم من سياق الكلام لأن في قوله وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ دلالة على ذلك لم ينف إلّا وقد قيل به. وقال الكرماني : الواو ضمير للكفار وهم مندرجون في قوله لِلْعالَمِينَ. وقيل :
لفظ نَذِيراً ينبئ عنهم لأنهم المنذرون ويندرج في وَاتَّخَذُوا كل من ادعى إلها غير اللّه، ولا يختص ذلك بعباد الأوثان وعباد الكواكب. وقال القاضي : يبعد أن يدخل فيه النصارى لأنهم لم يتخذوا من دون اللّه آلهة على الجمع. والأقرب أن المراد به عبدة الأصنام، ويجوز أن يدخل فيه من عبد الملائكة لأن لعبادها كثرة انتهى. ولا يلزم ما قال لأن وَاتَّخَذُوا جمع وآلِهَةً جمع، وإذا قوبل الجمع بالجمع تقابل الفرد بالفرد، ولا يلزم أن يقابل الجمع بالجمع فيندرج معبود النصارى في لفظ آلِهَةً.
ثم وصف الآلهة بانتفاء إنشائهم شيئا من الأشياء إشارة إلى انتفاء القدرة بالكلية، ثم بأنهم مخلوقون للّه ذاتا أو مصنوعون بالنحت والتصوير على شكل مخصوص، وهذا أبلغ في الخساسة ونسبة الخلق للبشر تجوز. ومنه قول زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال الزمخشري : الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً «١» والمعنى أنهم آثروا على عبادته عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم، لا يقدرون على شيء من أفعال اللّه ولا أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها، وهم يستطيعون وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع الذي يقدر عليه العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلّا اللّه أعجز.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا. قال ابن عباس : هو النضر بن الحارث وأتباعه، والإفك أسوأ لكذب. وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ. قال مجاهد : قوم من اليهود ألقوا أخبار الأمم إليه.
وقيل : عداس مولى حويطب بن عبد العزّى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤون التوراة أسلموا وكان الرسول يتعهدهم. وقال ابن عباس :

(١) سورة العنكبوت : ٢٩/ ١٧.


الصفحة التالية
Icon