البحر المحيط، ج ٨، ص : ٨٤
بالأسواق لالتماس الرزق سل ربك أن ينزل معك ملكا ينذر معك، أو يلقي إليك كنزا تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهبا وتزال الجبال، ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية.
وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من لِهذَا ولِهذَا استفهام يصحبه استهزاء أي ما لِهذَا الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل كما قال وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ «١» أي حاله كحالنا أي كان يجب أن يكون مستغنيا عن الأكل والتعيش، ثم قالوا : وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير.
وقرئ فتكون بالرفع حكاه أبو معاذ عطفا على أُنْزِلَ لأن أُنْزِلَ في موضع رفع وهو ماض وقع موقع المضارع، أي هلا ينزل إليه ملك أو هو جواب التحضيض على إضمار هو، أي فهو يكون. وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التخضيض. وقوله أَوْ يُلْقى أَوْ يكون عطف على أُنْزِلَ أي لو لا ينزل فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين، ولا يجوز النصب في أَوْ يُلْقى ولا في أَوْ تَكُونُ عطفا على فَيَكُونَ لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله لَوْ لا أُنْزِلَ. وقرأ قتادة والأعمش : أو يكون بالياء من تحت. وقرأ يَأْكُلُ بياء الغيبة أي الرسول، وزيد بن عليّ وحمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش بنون الجمع أي يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم.
وَقالَ الظَّالِمُونَ أي للمؤمنين. قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه انتهى. وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيبا سائغا بل التركيب العربي أن يقول : وأرادهم بأعيانهم بالظالمين مَسْحُوراً غلب على عقله السحر وهذا أظهر، أو ذا سحر وهو الرئة، أو يسحر بالطعام وبالشراب أي يغذي، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه. وقيل مَسْحُوراً ساحرا عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك. وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل : والقائلون ذلك النضر بن الحارث وعبد اللّه بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم.