البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٠٠
أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ، إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ : استثناء منقطع. لما ذكر شيئا من أحوال الكفار وعذابهم ذكر شيئا من أحوال المؤمنين ونعيمهم. والْمُخْلَصِينَ : صفة مدح، لأن كونهم عباد اللّه، يلزم منه أن يكونوا مخلصين. ووصف رِزْقٌ بمعلوم، أي عندهم. فقد قرت عيونهم بما يستدر عليهم من الرزق، وبأن شهواتهم تأتيهم بحسبها. وقال الزمخشري : معلوم بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر. وقيل : معلوم الوقت كقوله : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا «١». وعن قتادة : الرزق المعلوم : الجنة. وقوله : فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يأباه. انتهى. فَواكِهُ بدل من رِزْقٌ، وهي ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالأقوات لأنهم أجسام محكمة مخلوقة نلأبد، فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ. وقرأ ابن مقسم : مكرمون، بفتح الكاف مشدد الراء.
ذكر أولا الرزق، وهو ما يتلذذ به الأجسام. وثانيا الإكرام، وهو ما يتلذذ به النفوس، ورزق بإهانة تنكيد. ثم ذكر المحل الذي هم فيه، وهو جنات النعيم. ثم أشرف المحل، وهو السرر. ثم لذة التآنس بأن بعضهم يقابل بعضا، وهو أتم السرور وآنسه. ثم المشروب، وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم، بل يطاف عليهم بالكؤوس. ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد. ثم ذكر تمام اللذة الجسمانية، وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق، وهي أبلغ الملاذ، وهي التآنس بالنساء.
وقرأ الجمهور : عَلى سُرُرٍ، بضم الراء وأبو السمال : بفتحها، وهي لغة بعض تميم وكلب يفتحون ما كان جمعا على فعل من المضعف إذا كان اسما. واختلف النحويون في الصفة، فمنهم من قاسها على الاسم ففتح، فيقول ذلك بفتح اللام على تلك اللغة الثانية في الاسم. ومنهم من خص ذلك بالاسم، وهو مورد السماع في تلك اللغة.
وقيل : التقابل لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وفي الحديث :«أنه في أحيان ترفع عنهم ستور فينظر بعضهم إلى بعض ولا محالة أن أكثر أحيانهم فيها قصورهم».
ويُطافُ :
مبني للمفعول وحذف الفاعل، وهو المثبت في آية أخرى في قوله :