البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٠٦
أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ، فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ، إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ، فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ، وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ.
لما انقضت قصة المؤمن وقرينه، وكان ذلك على سبيل الاستطراد من شيء إلى شيء، عاد إلى ذكر الجنة والرزق الذي أعده اللّه فيها لأهلها فقال : أذلك الرزق خَيْرٌ نُزُلًا؟ والنزول ما يعد للأضياف، وعادل بين ذلك الرزق وبين شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.
فلاستواء الرزق المعلوم يحصل به اللذة والسرور، وشجرة الزقوم يحصل بها الألم والغم، فلا اشتراك بينهما في الخيرية. والمراد تقرير قريش والكفار وتوقيفهم على شيئين، أحدهما فاسد. ولو كان الكلام استفهاما حقيقة لم يجز، إذ لا يتوهم أحد أن في شجرة الزقوم خيرا حتى يعادل بينهما وبين رزق الجنة. ولكن المؤمن، لما اختار ما أدّى إلى رزق الجنة، والكافر اختار ما أدّى إلى شجرة الزقوم، قيل ذلك توبيخا للكافرين وتوقيفا على سوء اختيارهم. إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، قال قتادة، ومجاهد، والسدي : أبو جهل ونظراؤه، لما نزلت قال للكفار، يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار، وهي تأكلها وتذهبها، ففتنوا بذلك أنفسهم وجملة أتباعهم. وقال أبو جهل : إنما الزقوم : التمر بالزبد، ونحن نتزقمه. وقيل : منبتها في قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. واستعير الطلع، وهي النخلة، لما تحمل هذه الشجرة، وشبه طلعها بثمر شجرة معروفة يقال لثمرها رؤوس الشياطين، وهي بناحية اليمن يقال لها الاستن، وذكرها النابغة في قوله :
تحيد من استن سود أسافله مشي الإماء الغوادي تحمل الحزما
وهو شجر خشن مر منكر الصورة، سمت ثمره العرب بذلك تشبها برؤوس الشياطين، ثم صار أصلا يشبه به. وقيل : هو شجرة يقال لها الصوم، ذكرها ساعدة بن حوبة الهذلي في قوله :