البحر المحيط، ج ٩، ص : ١١٢
سمعنا إبراهيم يذمهم، فلعله هو الكاسر. ففي إحداهما أنهم شاهدوه يكسرها، وفي الأخرى أنهم استدلوا بذمه على أنه الكاسر. انتهى. ما أبدى من التناقض، وليس في الآيات ما يدل على أنهم أبصروه يكسرهم، فيكون فيه كالتناقض. ولما قرر أنه كالتناقض قال : قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يكون الذين أبصروه وزفوا إليه نفرا منهم دون جمهورهم وكبرائهم، فلما رجع الجمهور والعلية من عندهم إلى بيت الأصنام ليأكلوا الطعام الذي وضعوه عندها لتبرك عليه ورأوها مكسورة، اشمأزوا من ذلك وسألوا من فعل هذا بها؟ لم ينم عليه أولئك النفر نميمة صريحة، ولكن على سبيل التورية والتعريض بقولهم : سمعنا فتى يذكرهم لبعض الصوارف. والثاني : أن يكسرها ويذهب ولا يشعر بذلك أحد، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم، وسؤالهم عن الكاسر، وقولهم : قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ «١». انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي ذكر هو الصحيح.
قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ : استفهام توبيخ وإنكار عليهم، كيف هم يعبدون صورا صوّروها بأيديهم وشكلوها على ما يريدون من الأشكال؟ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ :
الظاهر أن ما موصولة بمعنى الذي معطوفة على الضمير في خلقكم، أي أنشأ ذواتكم وذوات ما تعملون من الأصنام، والعمل هنا هو التصوير والتشكيل، كما يقول : عمل الصائغ الخلخال، وعمل الحداد القفل، والنجار الخزانة ويحمل ذلك على أن ما بمعنى الذي يتم الاحتجاج عليهم، بأن كلا من الصنم وعابده هو مخلوق للّه تعالى، والعابد هو المصور ذلك المعبود، فكيف يعبد مخلوق مخلوقا؟ وكلاهما خلق اللّه، وهو المنفرد بإنشاء ذواتهما. والعابد مصور الصنم معبوده. و«ما» في : وما تَنْحِتُونَ بمعنى تاذي، فكذلك في وَما تَعْمَلُونَ، لأن نحتهم هو عملهم. وقيل : ما مصدرية، أي خلقكم وعملكم، وجعلوا ذلك قاعدة على خلق اللّه أفعال العباد. وقد بدد الزمخشري تقابل هذه المقالة بما يوقف عليه في كتابه. وقيل : ما استفهام إنكاري، أي : وأي شيء تعملون في عبادتكم أصناما تنحتونها؟ أي لا عمل لكم يعتبر. وقيل : ما نافية، أي وما أنتم تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء. وكون ما مصدرية واستفهامية ونعتا، أقوال متعلقة خارجة عن طريق البلاغة. ولما غلبهم إبراهيم، عليه السلام، بالحجة، مالوا إلى الغلبة بقوة الشوكة والجمع فقالوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً، أي في موضع إيقاد النار. وقيل : هو