البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٢٤
إلى الركن الآخر، فوجدها حتى استدار بالمركب وهي لا تفارقه، فعلم أن ذلك من عند اللّه، فترامى إليها فالتقمته.
ففي قصة يونس عليه السلام هنا جمل محذوفة مقدرة قبل ذكر فراره إلى الفلك، كما في قصته في سورة الأنبياء في قوله : إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً «١» هو ما بعد هذا، وقوله : فَنادى فِي الظُّلُماتِ «٢»، جمل محذوفة أيضا. وبمجموع القصص يتبين ما حذف في كل قصة منها.
فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
: من المغلوبين، وحقيقته من المزلقين عن مقام الظفر في الاستفهام. وقرىء : وَهُوَ مُلِيمٌ، بفتح الميم، وقياسه ملوم، لأنه من لمته ألومه لوما، فهو من ذوات الواو، ولكنه جيء به على أليم، كما قالوا : مشيب ومدعى في مشوب، ومدعو بناء على شيب ودعى. مِنَ الْمُسَبِّحِينَ : من الذاكرين اللّه تعالى بالتسبيح والتقديس. والظاهر أنه يريد ما ذكر في قوله في سورة الأنبياء : فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «٣». وقال ابن جبير : هو قوله سبحان اللّه. وقالت فرقة : تسبيحه صلاة التطوع فقال ابن عباس، وقتادة، وأبو العالية :
صلاته في وقت الرخاء تنفعه في وقت الشدة. وقال الضحاك بن قيس على منبره : اذكروا اللّه في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس كان عبدا ذاكرا، فلما أصابته الشدة نفعه ذلك.
قال اللّه عز وجل : فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وقال الحسن : تسبيحه : صلاته في بطن الحوت. وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه يقول : لأبنين لك مسجدا حيث لم يبنه أحد قبلي.
وروي أن الحوت سافر مع السفينة رافعا رأسه ليتنفس ويونس يسبح، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر، فلفظه سالما لم يتغير منه شيء، فأسلموا.
والظاهر أن قوله للبث في بطنه إلى يوم البعث، وعن قتادة : لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة. وذكر في مدة لبثه في بطن الحوت أقوالا متكاذبة، ضربنا عن ذكرها صفحا. وَهُوَ سَقِيمٌ :
روي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد، قاله ابن عباس والسدي.
وقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعمرو بن ميمون : اليقطين : القرع خاصة، قيل : وهي التي أنبتها اللّه عليه، وتجمع خصالا، برد الظل، ونعومة الملمس، وعظم الورق، والذباب لا يقربها. قيل : وماء ورقه إذا رش به مكان لم يقربه ذباب، وقال أمية بن أبي الصلت :
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٨٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١/ ٨٧.