البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٣٦
قَدْ أَفْلَحَ «١»، حكاه الفراء وثعلب، وهذه الأقوال يجب اطراحها. وقيل : هو صاد، إذ معناه :
صدق محمد وصدق اللّه. وكون صاد جواب القسم، قاله الفراء وثعلب، وهذا مبني على تقدم جواب القسم، واعتقاد أن الصاد يدل على ما ذكروه. وقيل : الجواب محذوف، فقدره الحوفي : لقد جاءكم الحق ونحوه، والزمخشري : إنه لمعجز، وابن عطية : ما الأمر كما تزعمون، ونحو هذا من التقدير. ونقل أن قتادة والطبري قالا : هو محذوف قبل بَلِ، قال : وهو الصحيح، وقدره ما ذكرنا عنه، وينبغي أن يقدر ما أثبت هنا جوابا للقرآن حين أقسم به، وذلك في قوله تعالى : يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «٢»، ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله : وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وقال هناك :
لِتُنْذِرَ قَوْماً «٣»، فالرسالة تنضمن النذارة والبشارة، وبل للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى حالة تعزز الكفار ومشاقهم في قبول رسالتك وامتثال ما جئت به، واعتراف بالحق.
وقرأ حماد بن الزبرقان، وسورة عن الكسائي، وميمون عن أبي جعفر، والجحدري من طريق العقيلي : في غرة، بالغين المعجمة والراء، أي في غفلة ومشاقة. قَبْلِهِمْ :
أي قبل هؤلاء ذوي المنعة الشديدة والشقاق، وهذا وعيد لهم. فَنادَوْا : أي استغاثوا ونادوا بالتوبة، قاله الحسن أو رفعوا أصواتهم، يقال : فلان أندى صوتا : أي أرفع، وذلك بعد معاينة العذاب، فلم يك وقت نفع. وقرأ الجمهور : وَلاتَ حِينَ، بفتح التاء ونصب النون، فعلى قول سيبويه، عملت عمل ليس، واسمها محذوف تقديره : ولات الحين حين فوات ولا فرار. وعلى قول الأخفش : يكون حين اسم لات، عملت عمل إن نصبت الاسم ورفعت الخبر، والخبر محذوف تقديره : ولات أرى حين مناص. وقرأ أبو السمال : ولات حين، بضم التاء ورفع النون فعلى قول سيبويه : حين مناص اسم لات، والخبر محذوف وعلى قول الأخفش : مبتدأ، والخبر محذوف. وقرأ عيسى بن عمر : ولات حين، بكسر التاء وجر النون، خبر بعد لات، وتخريجه مشكل، وقد تمحل الزمخشري في تخريج الخبر في قوله :
طلبوا صلحنا ولات حين أوان فأجبنا أن لات حين بقاء
قال : شبه أوان بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض، لأن الأصل : ولات أوان صلح. فإن قلت : فما تقول في حين مناص، والمضاف
(٢) سورة يس : ٣٦/ ١ - ٣.
(٣) سورة يس : ٣٦/ ٦.