البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٤٠
فقال : أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : أي ليس لهم شيء من ذلك. فَلْيَرْتَقُوا :
أي ألهم شيء من ذلك، فليصعدوا، فِي الْأَسْبابِ، الموصلة إلى السماء، والمعارج التي يتوصل بها إلى تدبير العالم، فيضعون الرسالة فيمن اختاروا. ثم صغرهم وحقرهم، فأخبر بما يؤول إليه أمرهم من الهزيمة والخيبة. قيل : وما زائدة، ويجوز أن تكون صفة أريد به التعظيم على سبيل الهزء بهم، أو التحقير، لأن مال الصفة تستعمل على هذين المعنيين. وهُنالِكَ : ظرف مكان يشار به للبعيد. والظاهر أنه يشار به للمكان الذي تفاوضوا فيه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بتلك الكلمات السابقة، وهو مكة، فيكون ذلك إخبارا بالغيب عن هزيمتهم بمكة يوم الفتح، فالمعنى أنهم يصيرون مهزومين بمكة يوم الفتح.
وقيل : هُنالِكَ، إشارة إلى الارتقاء في الأسباب، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك جند مهزوم. وقيل : أشير بهنالك إلى جملة الأصنام وعضدها، أي هم جند مهزوم في هذه السبيل. وقال مجاهد، وقتادة : الإشارة إلى يوم بدر، وكان غيبا، أعلم اللّه به على لسان رسوله. وقيل : الإشارة إلى حصر عام الخندق بالمدينة. وقال الزمخشري : وهنالك، إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم من قولهم : لمن يندبه لأمر ليس من أهله، لست هنالك. انتهى. وهُنالِكَ، يحتمل أن يكون في موضع الصفة لجند، أي كائن هنالك ويحتمل أن يكون متعلقا بمهزوم، وجند خبر مبتدأ محذوف، أي هم جند، ومهزوم خبره. وقال أبو البقاء : جند مبتدأ، وما زائدة، وهنالك نعت، ومهزوم الخبر. انتهى. وفيه بعد لفصله عن الكلام الذي قبله. ومعنى مِنَ الْأَحْزابِ : من جملة الأحزاب الذين تعصبوا في الباطل وكذبوا الرسل. ولما ذكر تعالى أنه أهلك قبل قريش قرونا كثيرة لما كذبوا رسلهم، سرد منهم هنا من له تعلق بعرفانه. وذُو الْأَوْتادِ : أي صاحب الأوتاد، وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده. قال الأفوه العوذي :
والبيت لا يبتنى إلا على عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فاستعير لثبات العز والملك واستقامة الأمر، كما قال الأسود :
في ظل ملك ثابت الأوتاد قاله الزمخشري، وأخذه من كلام غيره. وقال ابن عباس، وقتادة، وعطاء : كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها. وقال السدي : كان يقتل الناس بالأوتاد، ويسمرهم في الأرض بها. وقال الضحاك : أراد المباني العظيمة الثابتة. وقيل : عبارة عن كثرة أخبيته