البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٦٢
وزيد بن علي، والحسن، والسدّي وابن أبي عبلة، ويعقوب، والجحدري : بفتحتين وأبو حيوة، ويعقوب في رواية، وهبيرة عن حفص : بفتح النون وسكون الصاد. وقال الزمخشري : النصب والنصب، كالرشد والرشد، والنصب على أصل المصدر، والنصب تثقيل نصب، والمعنى واحد، وهو التعب والمشقة. والعذاب : الألم، يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب. انتهى.
وقال ابن عطية : وقد ذكر هذه القراءات، وذلك كل بمعنى واحد معناه المشقة، وكثيرا ما يستعمل النصب في مشقة الإعياء. وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ، والصواب أنها لغات بمعنى من قولهم : أنصبني الأمر، إذ شق عليّ انتهى. وقال السدّي :
بنصب في الجسد وعذاب في المال، وفي الكلام حذف تقديره : فاستجبنا له وقلنا :
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، فركض، فنبعت عين، فقلنا له : هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ فيه شفاؤك، فاغتسل فبرأ، وَوَهَبْنا لَهُ، ويدل على هذه المحذوفات معنى الكلام وسياقه.
وتقدم الكلام في الركض في سورة الأنبياء. وعن قتادة والحسن ومقاتل : كان ذلك بأرض الجابية من الشام.
ومعنى هذا مُغْتَسَلٌ : أي ما يغتسل به، وَشَرابٌ، أي ما تشربه، فباغتسالك يبرأ ظاهرك، وبشر بك يبرأ باطنك. والظاهر أن المشار إليه كان واحدا، والعين التي نبعت له عينان، شرب من إحداهما واغتسل من الأخرى. وقيل : ضرب برجله اليمنى، فنبعت عين حارة فاغتسل. وباليسرى، فنبعت باردة فشرب منها
، وهذا مخالف لظاهر قوله :
مُغْتَسَلٌ بارِدٌ، فإنه يدل على أنه ماء واحد. وقيل : أمر بالركض بالرجل، ليتناثر عنه كل داء بجسده. وقال القتبي : المغتسل : الماء الذي يغتسل به. وقال مقاتل : هو الموضع الذي يغتسل فيه. وقال الحسن : ركض برجله، فنبعت عين ماء، فاغتسل منها، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا، ثم ركض برجله، فنبعت عين، فشرب منها.
قيل : والجمهور على
أنه ركض ركضتين، فنبعت له عينان، شرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى.
والجمهور :
على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شتت منهم.
وقيل : رزقه أولادا وذرية قدر ذريته الذين هلكوا، ولم يردّ أهله الذين هلكوا بأعيانهم، وظاهر هذه الهيئة أنها في الدنيا. وقيل ذلك وعد، وتكون تلك الهيئة في الآخرة. وقيل :
وهبه من كان حيا منهم، وعافاه من الأسقام، وأرغد لهم العيش، فتناسلوا حتى تضاعف عددهم وصار مثلهم.