البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٧١
منقطعة أيضا مع تقدم الاستفهام، يكون كقولك : أزيد عندك أم عندك عمرو؟ واستفهمت عن زيد، ثم أضربت عن ذلك واستفهمت عن عمرو، فالتقدير : بل أزاغت عنهم الأبصار.
ويجوز أن يكون قولهم : أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ له تعلق بقوله : ما لَنا لا نَرى رِجالًا، لأن الاستفهام أولا دل على انتفاء رؤيتهم إياهم، وذلك دليل على أنهم ليسوا معه، ثم جوزوا أن يكونوا معه، ولكن أبصارهم لم ترهم. إِنَّ ذلِكَ : أي التفاوض الذي حكيناه عنهم، لَحَقٌّ : أي ثابت واقع لا بد أن يجري بينهم. وقرأ الجمهور :
تَخاصُمُ بالرفع مضافا إلى أَهْلِ. قال ابن عطية : بدل من لَحَقٌّ. وقال الزمخشري :
بين ما هو فقال : تخاصم منونا، أهل رفعا بالمصدر المنون، ولا يجيز ذلك الفراء، ويجيزه سيبويه والبصريون. وقرأ ابن أبي عبلة : تخاصم أهل، بنصب الميم وجر أهل. قال الزمخشري : على أنه صفة لذلك، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس. وفي كتاب اللوامح : ولو نصب تخاصم أهل النار، لجاز على البدل من ذلك. وقرأ ابن السميفع :
تخاصم : فعلا ماضيا، أهل : فاعلا، وسمى تعالى تلك المفاوضة التي جرت بين رؤساء الكفار وأتباعهم تخاصما، لأنّ قولهم : لا مَرْحَباً بِهِمْ، وقول الأتباع : بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ، هو من باب الخصومة، فسمى التفاوض كله تخاصما لاستعماله عليه.
قُلْ : يا محمد، إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ : أي منذر المشركين بالعذاب، وأن اللّه لا إله إلا اللّه، لا ند له ولا شريك، وهو الواحد القهار لكل شيء، وأنه مالك العالم، علوه وسفله، العزيز الذي لا يغالب، الغفار لذنوب من آمن به واتبع لدينه.
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ، إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ، قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ، قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.


الصفحة التالية
Icon