البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٧٦
بنصبهما. أما الأول فمقسم به، حذف منه الحرف كقوله : أمانة اللّه لأقومن، والمقسم عليه لَأَمْلَأَنَّ. وَالْحَقَّ أَقُولُ : اعتراض بين القسم وجوابه. قال الزمخشري : ومعناه : ولا أقول إلا الحق. انتهى، لأن عنده تقدم المفعول يفيد الحصر. والحق المقسم به إما اسمه تعالى الذي في قوله : أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ «١»، أو الذي هو نقيض الباطل. وقيل :
فالحق منصوب على الإغراء، أي فالزموا الحق، ولأملأن : جواب قسم محذوف. وقال الفراء : هو على معنى قولك : حقا لا شك، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء، أي لأملأن جهنم حقا. انتهى. وهذا المصدر الجائي توكيدا لمضمون الجملة، لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة، وذلك مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدتان جمودا محضا. وقال صاحب البسيط : وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة، قال : والمبتدأ يكون ضميرا نحو : هو زيد معروفا، وهو الحق بيننا، وأنا الأمير مفتخرا ويكون ظاهرا كقولك :
زيد أبوك عطوفا، وأخوك زيد معروفا. انتهى. وقالت العرب : زيد قائم غير ذي شك، فجاءت الحال بعد جملة، والخبر نكرة، وهي حال مؤكدة لمضمون الجملة، وكأن الفراء لم يشترط هذا الذي ذكره أصحابنا من كون المبتدأ والخبر معروفين جامدين، لأنه لا فرق بين تأكيد مضمون الجملة الابتدائية وبين تأكيد الجملة الفعلية. وقيل : التقدير فالحق الحق، أي افعله. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، والأعمش : بالرفع فيهما، فالأول مبتدأ خبره محذوف، قيل : تقديره فالحق أنا، وقيل : فالحق مني، وقيل : تقديره فالحق قسمي، وحذف كما حذف في : لعمرك لأقومن، وفي : يمين اللّه أبرح قاعدا، أي لعمرك قسمي ويمين اللّه قسمي، وهذه الجملة هي جملة القسم وجوابه : لأملأن. وأما وَالْحَقَّ أَقُولُ فمبتدأ أيضا، خبره الجملة، وحذف العائد، كقراءة ابن عباس : وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «٢». وقال ابن عطية : أما الأول فرفع على الابتداء، وخبره في قوله : لَأَمْلَأَنَّ، لأن المعنى : أن أملأ. انتهى. وهذا ليس بشيء، لأن لأملأن جواب قسم، ويجب أن يكون جملة، فلا يتقدر بمفرد. وأيضا ليس مصدرا مقدرا بحرف مصدري، والفعل حتى ينحل إليهما، ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ، حكم أنه خبر عنه. وقرأ الحسن، وعيسى، وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر : بجرهم، ويخرج على أن الأول مجرور بواو القسم محذوفة تقديره : فوالحق، والحق معطوف عليه، كما تقول : واللّه واللّه لأقومن، وأقوال اعتراض بين القسم وجوابه. وقال الزمخشري : وَالْحَقَّ أَقُولُ : أي ولا أقول إلا

(١) سورة النور : ٢٤/ ٢٥.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٥.


الصفحة التالية
Icon