البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٨٢
والكتاب الثاني هو القرآن، لا يحتمل غير ذلك. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بالكتاب؟ قلت : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن، وعلى الثاني أنه السورة. انتهى.
وبالحق في موضع الحال، أي ملتبسا بالحق، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل به، أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند اللّه، وهو عجز الفصحاء عن معارضته. وقال ابن عطية :
أي متضمنا الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى اللّه. انتهى ملخصا.
ولما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق، وكان الحق إخلاص العبادة للّه، أمره تعالى بعبادته فقال : فَاعْبُدِ اللَّهَ، وكأن هذا الأمر ناشىء عن إنزال الكتاب، فالفاء فيه للربط، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره. مُخْلِصاً : أي ممحضا، لَهُ الدِّينَ : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده. وقرأ الجمهور : الدين بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة : بالرفع فاعلا بمخلصا، والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين، أي الدين منك، أو يكون أل عوضا من الضمير، أي دينك. وقال الزمخشري : وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا بفتح اللام، كقوله تعالى : وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ «١»، حتى يطابق قوله : أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ، والخالص والمخلص واحد، إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي، كقولهم : شعر شاعر. وأما من جعل مخلصا حالا من العابد، وله الدين مبتدأ وخبر، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : للّه الدين، أي للّه الدين الخالص.
انتهى. وقد قدمنا تخريجه على أنه فاعل بمخلصا، وقدرنا ما يربط الحال بصاحبها، وممن ذهب إلى أن له الدين مستأنف مبتدأ وخبر الفراء. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ : أي من كل شائبة وكدر، فهو الذي يجب أن تخلص له الطاعة، لاطاعه على الغيوب والأسرار، ولخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم. قال الحسن : الدين الخالص :
الإسلام وقال قتادة : شهادة أن لا إله إلا اللّه.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا : مبتدأ، والظاهر أنهم المشركون، واحتمل أن يكون الخبر قال المحذوف المحكي به قوله : ما نَعْبُدُهُمْ، أي والمشركون المتخذون من دون اللّه أولياء قالوا : ما نعبد تلك الأولياء إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، واحتمل أن يكون الخبر :

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١٤٦.


الصفحة التالية
Icon