البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٨٩
بقوله قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ؟ ويدل عليه قوله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. ومن حذف المقابل قول الشاعر :
دعاني إليها القلب إني لأمرها سميع فما أدري أرشد طلابها
تقديره : أم غيّ. وقال الفراء : الهمزة للنداء، كأنه قيل : يا من هو قانت، ويكون قوله قل خطابا له، وهذا القول أجنبي مما قبله وما بعده. وضعف هذا القول أبو علي الفارسي، ولا التفات لتضعيف الأخفش وأبي حاتم هذه القراءة. وقرأ باقي السبعة، والحسن، وقتادة، والأعرج، وأبو جعفر : أمّن، بتشديد الميم، وهي أم أدغمت ميمها في ميم من، فاحتملت أم أن تكون متصلة ومعادلها محذوف قبلها تقديره : أهذا الكافر خير أم من هو قانت؟ قال معناه الأخفش، ويحتاج مثل هذا التقدير إلى سماع من العرب، وهو أن يحذف المعادل الأول. واحتملت أم أن تكون منقطعة تتقدر ببل، والهمزة والتقدير : بل أم من هو قانت صفته كذا، كمن ليس كذلك. وقال النحاس : أم بمعنى بل، ومن بمعنى الذي، والتقدير :
بل الذي هو قانت أفضل ممن ذكر قبله. انتهى. ولا فضل لمن قبله حتى يجعل هذا أفضل، بل يقدر الخبر من أصحاب الجنة، يدل عليه مقابله : إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ.
والقانت : المطيع، قال ابن عباس، وتقدم الكلام في القنوت في البقرة.
وقرأ الجمهور : ساجِداً وَقائِماً، بالنصب على الحال والضحاك : برفعهما إما على النعت لقانت، وإما على أنه خبر بعد خبر، والواو للجمع بين الصفتين. يَحْذَرُ الْآخِرَةَ : أي عذاب الآخرة، وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ : أي حصولها، وقيل : نعيم الجنة، وهذا المتصف بالقنوت إلى سائر الأوصاف، قال مقاتل : عمار، وصهيب، وابن مسعود، وأبو ذر. وقال ابن عمر : عثمان. وقال ابن عباس في رواية الضحاك : أبو بكر وعمر. وقال يحيى بن سلام : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
والظاهر أنه من اتصف بهذه الأوصاف من غير تعيين.
وفي الآية دليل على فضل قيام الليل، وأنه أرجح من قيام النهار.
ولما ذكر العمل ذكر العلم فقال : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، فدل أن كما الإنسان محصور في هذين المقصودين، فكما لا يستوي هذان، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. والمراد بالعلم هنا : ما أدى إلى معرفة اللّه ونجاة العبد من سخطه. وقرأ : يذكر، بإدغام تاء يتذكر في الذال. قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ، وروي أنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى


الصفحة التالية
Icon