البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٠٩
معمولة لما بعدها. إن قلنا إنها ظرف، سواء كان زمانا أو مكانا. ومن قال إنها حرف، فلا يعمل فيها شيء، فإذا الأولى معمولة لذكرهم، والثانية معمولة ليستبشرون. ولما أخبر عن سخافة عقولهم باشمئزازهم من ذكر اللّه، واستبشارهم بذكر الأصنام، أمره أن يدعو بأسماء اللّه العظمى من القدرة والعلم ونسبة الحكم إليه، إذ غيره لا قدرة له ولا علم تام ولا حكم، وفي ذلك وصف لحالهم السيّء ووعيد لهم وتسلية للرسول عليه السلام. وتقدم الكلام في اللَّهُمَّ في سورة آل عمران.
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا : تقدم الكلام على تشبيهه في العقود. وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ : أي كانت ظنونهم في الدنيا متفرقة، حسب ضلالاتهم وتخيلاتهم فيما يعتقدونه. فإذا عاينوا العذاب يوم القيامة، ظهر لهم خلاف ما كانوا يظنون، وما كان في حسابهم. وقال سفيان الثوري : ويل لأهل الرياء من هذه الآية. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا : أي جزاء ما كانوا وما فيما كسبوا، يحتمل أن تكون بمعنى الذي، أي سيئات أعمالهم، وأن تكون مصدرية، أي سيئات كسبهم. والسيئات : أنواع، العذاب سميت سيئات، كما قال : وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «١».
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ، فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ، أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.
تقدم في غير آية كون الإنسان إذا مسه الضر التجأ إلى اللّه، مع اعتقادهم الأوثان وعبادتها. فإذا أصابتهم شدة، نبذوها ودعوا رب السموات والأرض، وهذا يدل على تناقض آرائهم وشدة اضطرابها. والإنسان جنس وضر مطلق، والنعمة عامة في جميع ما يسر، ومن ذلك إزالة الضر. وقيل : الإنسان معين، وهو حذيفة بن المغيرة. والظاهر أن ما في إنما