البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢١١
صالحا ما لم يكن في حسابه من سوء العذاب المترتب على ذلك العمل، ترتب الفتنة على تلك النعمة. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : أي إن ذلك استدراج وامتحان.
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : أي قال مثل مقالتهم أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ. والظاهر أن قائلي ذلك جماعة من الأمم الكافرة الماضية، كقارون في قوله : قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي «١». وقيل : الذين من قبلهم هم قارون وقومه، إذ رضوا بمقالته، فنسب القول إليهم جميعا. وقرىء : قد قاله، أي قال القول أو الكلام. فَما أَغْنى عَنْهُمْ : يجوز أن تكون ما نافية، وهو الظاهر. وأن تكون استفهامية، فيها معنى النفي. ما كانُوا يَكْسِبُونَ : أي من الأموال. وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ : إشارة إلى مشركي قريش، سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا : جاء بسين الاستقبال التي هي أقل تنفيسا في الزمان من سوف، وهو خبر غيب، أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره. قتل رؤساءهم، وحبس عنهم الرزق، فلم يمطروا سبع سنين ثم بسط لهم، فمطروا سبع سنين، فقيل لهم : ألم تعلموا أنه لا قابض ولا باسط إلا اللّه تعالى؟.
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا : نزلت في وحشي قاتل حمزة، قاله عطاء أو في قوم آمنوا عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما، ففتنتهم قريش، فافتتنوا وظنوا أن لا توبة لهم، فكتب عمر لهم بهذه الآية، قاله عمر والسدي وقتادة وابن إسحاق. وقيل : في قوم كفار من أهل الجاهلية قالوا : وما ينفعنا الإسلام وقد زنينا وقتلنا النفس وأتينا كل كبيرة؟
ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما شدد على الكفار وذكر ما أعد لهم من العذاب، وأنهم لو كان لأحدهم ما في الأرض ومثله معه لافتدى به من عذاب اللّه، ذكر ما في إحسانه من غفران الذنوب إذا آمن العبد ورجع إلى اللّه. وكثيرا تأتي آيات الرحمة مع آيات النقمة ليرجو العبد ويخاف. وهذه الآية عامة في كل كافر يتوب، ومؤمن عاص يتوب، تمحو الذنب توبته. وقال عبد اللّه، وعلي، وابن عامر : هذه أرجى آية في كتاب اللّه.
وتقدم الخلاف في قراءة لا تَقْنَطُوا في الحجر.
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً : عام يراد به ما سوى الشرك، فهو مقيد أيضا بالمؤمن العاصي غير التائب بالمشيئة. وفي قوله : يا عِبادِيَ، بإضافتهم إليه وندائهم، إقبال وتشريف. وأَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ : أي بالمعاصي، والمعنى : إن ضرر تلك الذنوب إنما

(١) سورة القصص : ٢٨/ ٧٨.


الصفحة التالية
Icon