البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢١٣
يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، وذهب عمري في طاعة الشيطان، وأسخطت ربي، فندم حين لا ينفعه، فأنزل اللّه خبره.
أَنْ تَقُولَ : مفعول من أجله، فقدره ابن عطية : أي أنيبوا من أجل أن تقول. وقال الزمخشري : كراهة أن تقول، والحوفي :
أنذرناكم مخافة أن تقول، ونكر نفس لأنه أريد بها بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو أريد الكثير، كما قال الأعشى :
ورب نفيع لو هتفت لنحوه أتاني كريم ينقض الرأسى مغضبا
يريد أفواجا من الكرام ينصرونه، لا كريما واحدا أو أريد نفس متميزة من الأنفس بالفجاج الشديد في الكفر، أو بعذاب عظيم. قال هذه المحتملات الزمخشري، والظاهر الأول. وقرأ الجمهور : يا حسرتا، بإبدال ياء المتكلم ألفا، وأبو جعفر : يا حسرتا، بياء الإضافة، وعنه : يا حسرتي، بالألف والياء جمعا بين العوض والمعوض، والياء مفتوحة أو سانة. وقال أبو الفضل الرازي في تصنيفه (كتاب اللوامح) : ولو ذهب إلى أنه أراد تثنية الحسرة مثل لبيك وسعديك، لأن معناهما لب بعد لب وسعد بعد سعد، فكذلك هذه الحسرة بعد حسرة، لكثرة حسراتهم يومئذ أو أراد حسرتين فقط من فوت الجنة لدخول النار، لكان مذهبا، ولكان ألف التثنية في تقدير الياء على لغة بلحرث بن كعب. انتهى.
وقرأ ابن كثير في الوقف : يا حسرتاه، بهاء السكت. قال سيبويه : ومعنى نداء الحسرة والويل : هذا وقتك فاحضري. والجنب : الجانب، ومستحيل على اللّه الجارحة، فإضافة الجنب إليه مجاز. قال مجاهد، والسدي : في أمر اللّه. وقال الضحاك : في ذكره، يعني القرآن والعمل به. وقيل : في جهة طاعته، والجنب : الجهة، وقال الشاعر :
أفي جنب تكنى قطعتني ملامة سليمى لقد كانت ملامتها ثناء
وقال الراجز :
الناس جنب والأمير جنب ويقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجنب والجانب. ثم قالوا :
فرط في جنبه، يريدون حقه. قال سابق البربري :
أما تتقين اللّه في جنب عاشق له كبد حرى عليك تقطع
وهذا من باب الكناية، لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه، فقد أثبته فيه.
ألا ترى إلى قوله :


الصفحة التالية
Icon