البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢١٧
الفراء : كلا القراءتين صواب، تقول : قد تبين أمر الناس وأمور الناس. ولما ذكر تعالى الوعد والوعيد، عاد إلى دلائل الإلهية والتوحيد، فذكر أنه خالق كل شيء، فدل على أعمال العباد لاندراجها في عموم كل شيء، وأنه على كل الأشياء قائم لحفظها وتدبيرها.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ : قال ابن عباس : مفاتيح، وهذه استعارة، كما تقول : بيد فلان مفتاح هذا الأمر. وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أن المقاليد لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد للّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير».
وتأويله على هذا : أن للّه هذه الكلمات، يوحد بها ويمجد، وهي مفاتيح خير السموات والأرض، من تكلم بها من المتقين أصاب. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وكلماته توحيده وتمجيده، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا؟ قلت : بقوله : وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ، والَّذِينَ كَفَرُوا، هُمُ الْخاسِرُونَ واعترض بينهما : بأن خالق الأشياء كلها، وهو مهيمن عليها، لا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين منها وما يستحقون عليها من الجزاء، وأن لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. قال أبو عبد اللّه الرازي : وهذا عندي ضعيف من وجهين : الأول : أن وقوع الفاصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد. والثاني : أن قوله تعالى : وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا : جملة فعلية، وقوله : وَالَّذِينَ كَفَرُوا : جملة اسمية، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز، والأقرب عندي أن يقال : إنه لما وصف بصفات الإلهية والجلالة، وهو كونه خالق الأشياء كلها، وكونه مالكا لمقاليد السموات والأرض، وقال : الذين كفروا بهذه الآيات الظاهرة الباهرة هم الخاسرون. انتهى، وليس بفاصل كثير. وقوله : وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز، كلام من لم يتأمل لسان العرب، ولا نظر في أبواب الاشتغال. وأما قوله : والأقرب عندي فهو مأخوذ من قول الزمخشري، وقد جعل متصلا بما يليه، على أن كل شيء في السموات والأرض فاللّه خالقه وفاتح بابه، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ


الصفحة التالية
Icon