البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٢٣
الأرض مقامه وهذا على معنى ما ذهب إليه بعض المتأخرين من غير أن يتقدم في ذلك، لأن من الأفعال ما يكون متعديا لازما معا على مثال واحد. انتهى.
وفي الحديث الصحيح :«يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس بها علم لأحد بنور ربها».
قيل : يخلق اللّه نورا يوم القيامة، فيلبسه وجه الأرض، فتشرق الأرض به،
وقال ابن عباس : النور هنا ليس من نور الشمس والقمر، بل هو نور يخلقه اللّه فيضيء الأرض. وروي أن الأرض يومئذ من فضة،
والمعنى : أشرقت بنور خلقه اللّه تعالى، أضافه إليه إضافة الملك إلى الملك. وقال الزمخشري : استعار اللّه النور للحق، والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل، وهذا من ذلك. والمعنى : وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل، وبسط من القسط في الحسنات، ووزن الحسنات والسيئات، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه، لأنه هو الحق العدل، وإضافة اسمه إلى الأرض، لأنه يزينها حين ينشر فيها عدله، وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، ويقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، كما يقولون : أظلمت البلاد بجور فلان. وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«الظلم ظلمات يوم القيامة»
، وكما فتح الآية بإثبات العدل، ختمها بنفي الظلم.
وَوُضِعَ الْكِتابُ : أي صحائف الأعمال ووحد، لأنه اسم جنس، وكل أحد له كتاب على حدة، وأبعد من قال : الكتاب هنا اللوح المحفوظ. وروي ذلك عن ابن عباس، ولعله لا يصح، وقد ضعف بأن الآية سيقت مقام التهديد في سياق الخبر. وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ليشهدوا على أممهم، وَالشُّهَداءِ، قيل : جمع شاهد، وهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم. وقيل : هم الرسل من الأنبياء. وقيل : أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، يشهدون للرسل. وقال عطاء، ومقاتل، وابن زيد : الحفظة. وقال ابن زيد أيضا : النبيون، والملائكة، وأمة محمد عليه السلام، والجوارح. وقال قتادة : الشهداء جمع شهيد، وليس فيه توعد، وهو مقصود الآية. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ : أي بين العالم، ولذلك قسموا بعد إلى قسمين : أهل النار وأهل الجنة، بِالْحَقِّ : أي بالعدل. وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ : أي جوزيت مكملا. وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ، فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد، وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد.
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها