البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٣٢
الحبرات في الثياب وهذه الحواميم مقصورة على المواعظ والزجر وطرق الآخرة وهي قصار لا تلحق فيها سآمة».
ومناسبة أول هذه السورة لآخر الزمر أنه تعالى لما ذكر ما يؤول إليه حال الكافرين وحال المؤمنين، ذكر هنا أنه تعالى غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ، ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان، وإلى الإقلاع عما هو فيه، وأن باب التوبة مفتوح. وذكر شدة عقابه وصيرورة العالم كلهم فيه ليرتدع عما هو فيه، وأن رجوعه إلى ربه فيجازيه بما يعمل من خير أو شر. وقرىء :
بفتح الحاء، اختيار أبي القاسم بن جبارة الهذلي، صاحب كتاب :(الكامل في القرآن)، وأبو السمال : بكسرها على أصل التقاء الساكنين، وابن أبي إسحاق وعيسى : بفتحها، وخرج على أنها حركة التقاء الساكنين، وكانت فتحة طلبا للخفة كأين، وحركة إعراب على انتصابها بفعل مقدر تقديره : اقرأ حم. وفي الحديث :«أن أعرابيا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن حم ما هو؟ فقال :
أسماء وفواتح سور»
، وقال شريح بن أبي أوفى العبسي :
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم
وقال الكميت :
وجدنا لكم في آل حميم آية تأولها منا تقي ومعرب
أعربا حاميم، ومنعت الصرف للعلمية، أو العلمية وشبه العجمة، لأن فاعيل ليس من أوزان أبنية العرب، وإنما وجد ذلك في العجم، نحو : قابيل وهابيل. وتقدم فيما روي في الحديث جمع حم على الحواميم، كما جمع طس على الطواسين. وحكى صاحب زاد المسير عن شيخه ابن منصور اللغوي أنه قال : من الخطأ أن تقول : قرأت الحواميم، وليس من كلام العرب والصواب أن يقول : قرأت آل حم. وفي حديث ابن مسعود :«إذا وقعت في آل حميم وقعت في روضات دمثات»
انتهى. فإن صح من لفظ الرسول أنه
قال :«الحواميم كان حجة على من منع ذلك»
، وإن كان نقل بالمعنى، أمكن أن يكون من تحريف الأعاجم. ألا ترى لفظ ابن مسعود :«إذا وقعت في آل حميم»، وقول الكميت :
وجدنا لكم في آل حاميم؟ وتقدم الكلام على هذه الحروف المقطعة في أول البقرة، وقد زادوا في حاميم أقوالا هنا، وهي مروية عن السلف، غنينا عن ذكرها، لاضطرابها وعدم الدليل على صحة شيء منها.
فإن كانت حم اسما للسورة، كانت في موضع رفع على الابتداء، وإلا فتنزيل مبتدأ،