البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٣٩
ولما حكى تعالى عنهم كيفية ثنائهم عليه، وأخبر باستغفارهم، وهو قولهم : فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ. وطلب المغفرة نتيجة الرحمة، وللذين تابوا يتضمن أنك علمت توبتهم، فهما راجعان إلى قوله : رَحْمَةً وَعِلْماً، واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وهي سبيل الحق التي نهجتها لعبادك، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ : الذي لا تغالب، الْحَكِيمُ : الذي يضع الأشياء مواضعها التي تليق بها. ولما طلب الغفران يتضمن إسقاط العذاب، أردفوه بالتضرع بوقايتهم العذاب على سبيل المبالغة والتأكيد، فقالوا : وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، وطلب المغفرة، ووقاية العذاب للتائب الصالح، وقد وعد بذلك الوعد الصادق بمنزلة الشفاعة في زيادة الثواب والكرامة.
ولما سألوا إزالة العقاب، سألوا اتصال الثواب، وكرر الدعاء بربنا فقالوا : رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ. وقرأ الجمهور : جنات جمعا وزيد بن علي، والأعمش : جنة عدن بالإفراد، وكذا في مصحف عبد اللّه، وتقدم الكلام في إعراب التي في قوله : جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ «١» في سورة مريم. وقرأ ابن أبي عبلة : صلح بضم اللام، يقال : صلح فهو صليح وصلح فهو صالح. وقرأ عيسى : وذريتهم، بالإفراد والجمهور بالجمع. وعن ابن جبير في تفسير ذلك أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول :
أين أبي؟ أين أمي؟ أين ابني؟ أين زوجتي؟ فيلحقون به لصلاحه ولتنبيهه عليه وطلبه إياهم، وهذه دعوة الملائكة. انتهى. وإذا كان الإنسان في خير، ومعه عشيرته وأهله، كان أبهج عنده وأسر لقلبه. والظاهر عطف ومن على الضمير في وأدخلهم، إذ هم المحدث عنهم والمسئول لهم. وقال الفراء، والزجاج : نصبه من مكانين : إن شئت على الضمير في وَأَدْخِلْهُمْ، وإن شئت على الضمير في وَعَدْتَهُمْ.
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ : أي امنعهم من الوقوع فيها حتى لا يترتب عليها جزاؤها، أو وقهم جزاء السيئات التي اجترحوها، فحذف المضاف ولا تكرار في هذا، وقوله : وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ لعدم توافق المدعو لهم أن الدعاء الأول للذين تابوا، والثاني أنه لهم ولمن صلح من المذكورين، أو لاختلاف الدعاءين إذا أريد بالسيئات أنفسها، فذلك وقاية عذاب الجحيم، وهذا وقاية الوقوع في السيئات. والتنوين في يومئذ تنوين العوض، والمحذوف جملة عوض منها التنوين، ولم تتقدم جملة يكون التنوين عوضا منها، كقوله :