البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٤٥
أجيئك إذا زيد ذاهب، فكذلك لا يجوز هذا. وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك، فيتخرج قوله : يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ على هذا المذهب. وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا على قلة، والدلائل مذكورة في علم النحو. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون انتصابه على الظرف، والعامل فيه قوله : لا يَخْفى، وهي حركة إعراب لا حركة بناء، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، كيومئذ. وقال الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وكقوله تعالى : هذا يَوْمُ يَنْفَعُ «١». وأما في هذه الآية فالجملة اسم متمكن، كما تقول : جئت يوم زيد أمير، فلا يجوز البناء. انتهى. يعني أن ينتصب على الظرف قوله :
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ. وأما قوله لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن، فالبناء ليس متحتما، بل يجوز فيه البناء والإعراب. وأما تمثيله بيوم ينفع، فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز البناء والإعراب فيه. وأما إذا أضيف إلى جملة اسمية، كما مثل من قوله : جئت يوم زيد أمير، فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب، كما ذكر، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء. وذهب إليه بعض أصحابنا، وهو الصحيح لكثرة شواهد البناء على ذلك. ووقع في بعض تصانيف أصحابنا أنه يتحتم فيه البناء، وهذا قول لم يذهب إليه أحد، فهو وهم. لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ : أي من سرائرهم وبواطنهم. قال ابن عباس : إذا هلك من في السموات ومن في الأرض، فلم يبق إلا اللّه قال : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، فلا يجيبه أحد، فيرد على نفسه : لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. وقال ابن مسعود : يجمع اللّه الخلائق يوم القيامة في صعيد بأرض بيضاء، كأنها سبيكة فضة لم يعص اللّه فيها قط، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فيجيبوا كلهم :
لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. روي أنه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا، فيجيب نفسه بقوله : لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، فيجيب الناس، وإنما خص التقرير باليوم، وإن كان الملك له تعالى في ذلك اليوم وفي غيره، لظهور ذلك للكفرة والجهلة ووضوحه يوم القيامة.
وإذا تأمّل من له مسكة عقل تسخير أهل السموات الأرض، ونفوذ القضاء فيهم، وتيقن أن لا ملك إلا للّه، ومن نتائج ملكه في ذلك اليوم جزاء كل نفس بما كسبت، وانتفاء