البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٥٧
على نفي البعثة. كَذلِكَ : أي مثل إضلال اللّه إياكم، أي حين لم تقبلوا من يوسف، يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ : يعنيهم، إذ هم المسرفون المرتابون في رسالات الأنبياء.
وجوزوا في الَّذِينَ يُجادِلُونَ أن تكون صفة لمن، وبدلا منه : أي معناه جمع ومبتدأ على حذف مضاف، أي جدال الذين يجادلون، حتى يكون الضمير في كَبُرَ عائدا على ذلك أولا، أو على حذف مضاف، والفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من قوله : يُجادِلُونَ، أو ضمير يعود على من على لفظها، على أن يكون الذين صفة، أو بدلا أعيد أولا على لفظ من في قوله : هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ. ثم جمع الذين على معنى من، ثم أفرد في قوله : كَبُرَ على لفظ من. وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون الَّذِينَ يُجادِلُونَ مبتدأ وبغير سُلْطانٍ أَتاهُمْ خبرا، وفاعل كَبُرَ قوله : كَذلِكَ، أي كَبُرَ مَقْتاً مثل ذلك الجدال، ويَطْبَعُ اللَّهُ كلام مستأنف، ومن قال كَبُرَ مَقْتاً، عِنْدَ اللَّهِ جدالهم، فقد حذف الفاعل، والفاعل لا يصح حذفه. انتهى، وهذا الذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح، فكيف في كلام اللّه؟ لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض، وارتكاب مذهب الصحيح خلافه. أما تفكيك الكلام، فالظاهر أن بغير سلطان متعلق بيجادلون، ولا يتعقل جعله خيرا للذين، لأنه جار ومجرور، فيصير التقدير : الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ : كائنونن، أو مستقرون، بِغَيْرِ سُلْطانٍ، أي في غير سلطان، لأن الباء إذ ذاك ظرفية خبر عن الجثة، وكذلك في قوله يَطْبَعُ أنه مستأنف فيه تفكيك الكلام، لأن ما جاء في القرآن من كَذلِكَ يَطْبَعُ، أو نطبع، إنما جاء مربوطا بعضه ببعض، فكذلك هنا. وأما ارتكاب مذهب الصحيح خلافه، فجعل الكاف اسما فاعلا بكبر، وذلك لا يجوز على مذهب البصريين إلا الأخفش، ولم يثبت في كلام العرب، أعني نثرها : جاءني كزيد، تريد : مثل زيد، فلم تثبت اسميتها، فتكون فاعلة.
وأما قوله : ومن قال إلى آخره، فإنّ قائل ذلك وهو الحوفي، والظن به أنه فسر المعنى ولم يرد الإعراب. وأما تفسير الإعراب أن الفاعل بكبر ضمير يعود على الجدال المفهوم من يجادلون، كما قالوا : من كذب كان شرا له، أي كان هو، أي الكذب المفهوم من كذب.
والأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر، والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون، وهذه الصفة موجودة في فرعون وقومه، ويكون الواعظ لهم قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب، لحسن محاورته لهم واستجلاب قلوبهم، وإبراز ذلك