البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٦٩
ابن عباس : وحدوني أغفر لكم وقيل للثوري : ادع اللّه تعالى، فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء. وقال الحسن، وقد سئل عن هذه الآية : اعملوا وأبشروا، فإنه حق على اللّه أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله. وقال أنس : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله».
إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي : أي عن دعائي. وقرأ جمهور السبعة، والحسن، وشيبة : سيدخلون مبنيا للفاعل وزيد بن علي، وابن كثير، وأبو جعفر : مبنيا للمفعول واختلف عن عاصم وأبي عمرو. داخرين :
ذليلين.
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً : تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في سورة يونس. ولَذُو فَضْلٍ : أبلغ من : لمفضل أو لمتفضل، كما قال : لَذُو عِلْمٍ لما علمناه لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ «١»، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «٢»، لما يؤدي إليه من كونه صاحبه ومتمكنا منه، بخلاف أن يؤتي بالصفة، فإنه قد يدل على غير اللّه بالاتصاف به في وقت ما، لا دائما، وذكر عموم فضله وسوغه على الناس، ثم قال :
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ، فأتى به ظاهرا، ولم يأت التركيب : ولكن أكثرهم. قال الزمخشري : في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم، وأنهم هم الذين يكفرون فضل اللّه ولا يشكرونه، كقوله : إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ «٣»، إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ «٤»، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ «٥». انتهى. ذلِكُمُ : أي المخصوص بتلك الصفات التميز بها من استجابته لدعائكم، ومن جعل الليل والنهار كما ذكر، ومن تفضله عليكم. اللَّهُ رَبُّكُمْ :
الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية، وإنشاء الأشياء والوحدانية. فكيف تصرفون عن عبادة من هذه أوصافه إلى عبادة الأوثان؟ وقرأ زيد بن علي : خالق بنصب القاف، وطلحة في رواية : يؤفكون بياء الغيبة والجمهور : بضم القاف وتاء الخطاب. قال الزمخشري : خالق نصبا على الاختصاص كذلك، أي مثل ذلك الصرف صرف اللّه قلوب الجاحدين بآيات اللّه من الأمم على طريق الهدى.
ولما ذكر تعالى ما امتن به من الليل والنهار، ذكر أيضا ما امتن به من جعل الأرض مستقرا والسماء بناء، أي قبة، ومنه أبنية العرب لمضاربهم، لأن السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض. وقرأ الجمهور : صوركم بضم الصاد، والأعمش، وأبو
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٠٥.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٦٦.
(٤) سورة العاديات : ١٠٠/ ٦.
(٥) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣٤.