البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٧٢
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
كأنه قيل : بمصلحين. وقرىء : وبالسلاسل، انتهى، وهذا يسمى العطف على التوهم، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها، ونظير ذلك قول الشاعر :
أحدك لن ترى بثعيلبات ولا بيداء ناجية زمولا
ولا متدارك والليل طفل ببعض نواشع الوادي حمولا
التقدير : لست براء ولا متدارك. وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء، قال : من جر السلاسل حمله على المعنى، لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل. وقال الزجاج : من قرأ بخفض والسلاسل، فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون. وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز، لو قلت : زيد في الدار، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار، ثم ذكر تأويل الفراء، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد اللّه زيدا العاقلين، بنصب العاقلين ورفعه، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر. انتهى، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول، وقرىء : وبالسلاسل يسحبون، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأويل الخفض على إضمار حرف الجر، وهو تأويل شذوذ. وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها، فهو أشد عليهم، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون. وقال مجاهد : يُسْجَرُونَ : يطرحون فيها، فيكونون وقودا لها. وقال السدي : يسجرون : يحرقون.
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون : ضَلُّوا عَنَّا : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : بل لم نكن نعبد شيئا، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئا، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئا، كما تقول :
حسبت أن فلانا شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته، فلم تر عنده جزاء، وقولهم :