البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٧٤
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ، فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ
أمر تعالى نبيه بالصبر تأنيسا له، وإلا فهو، عليه السلام، في غاية الصبر، وأخبر بأن ما وعده من النصر والظفر وإعلاء كلمته وإظهار دينه حق. قيل : وجواب فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ محذوف لدلالة المعنى عليه، أي فيقر عينك، ولا يصح أن يكون فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ جوابا للمعطوف عليه والمعطوف، لأن تركيب فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بعض الموعود في حياتك، فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ ليس بظاهر، وهو يصح أن يكون جواب، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ : أي فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ، فننتقم منهم ونعذبهم لكونهم لم يتبعوك. ونظير هذه الآية قوله : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ «١»، إلا أنه هنا صرح بجواب الشرطين. وقال الزمخشري : فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ متعلق بقوله : نَتَوَفَّيَنَّكَ، وجزاء نُرِيَنَّكَ محذوف تقديره : فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب، وهو القتل يوم بدر فذاك، أو أن نتوفينك قبل يوم بدر، فإلينا يرجعون يوم القيامة، فننتقم منهم أشد الانتقام.
وقد تقدم للزمخشري نحو هذا البحث في سورة يونس في قوله : وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ «٢»، ورددنا عليه، فيطالع هناك. وقال الزمخشري أيضا :
فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ أصله فإن نرك، وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط، ولذلك ألحقت النون بالفعل. ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك، ولكن أما تكرمني أكرمك؟ انتهى. وما ذهب إليه من تلازم ما لمزيده، ونون التوكيد بعد أن الشرطية هو مذهب المبرد والزجاج.
وذهب سيبويه إلى أنك إن شئت أتيت بما دون النون، وإن شئت أتيت بالنون دون ما. قال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إذا جئت لم تجىء بما، يعني لم تقحم النون مع مجيئك بما، ولم تجىء بما مع مجيئك بالنون. وقرأ الجمهور :

(١) سورة الزخرف : ٤٣/ ٤١ - ٤٢.
(٢) سورة يونس : ١٠/ ٤٦.


الصفحة التالية
Icon