البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٠١
ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، قال ابن عباس : من أمر الآخرة، أنه لا جنة ولا نار ولا بعث. وَما خَلْفَهُمْ، قال ابن عباس : من أمر الدنيا، من الضلالة والكفر ولذات الدنيا. وقال الكلبي : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ : أعمالهم التي يشاهدونها، وَما خَلْفَهُمْ : ما هم عاملوه في المستقبل. وقال ابن عطية : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، من معتقدات السوء في الرسل والنبوات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء، وَما خَلْفَهُمْ : ما يأتي بعدهم من أمر القيامة والمعاد. انتهى، ملخصا، وهو شرح قول الحسن، قال : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الدنيا، وَما خَلْفَهُمْ من أمر الآخرة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين، والدليل عليه : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً «١». انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ : أي كلمة العذاب، وهو القضاء المحتم، بأنهم معذبون. فِي أُمَمٍ : أي في جملة أمم، وعلى هذا قول الشاعر :
إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو كا ففي آخرين قد أفكوا
أي : فأنت في جملة آخرين، أو فأنت في عدد آخرين، لست في ذلك بأوحد. وقيل :
في بمعنى مع، ولا حاجة للتضمين مع صحة معنى في. وموضع في أُمَمٍ نصب على الحال، أي كائنين في جملة أمم، وذو الحال الضمير في عليهم. إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ :
الضمير لهم وللأمم، وهذا تعليل لاستحقاقهم العذاب.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا : أي لا تصغوا، لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ :
إذا تلاه محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال أبو العالية : وقعوا فيه وعيبوه. وقال غيره : كان الرسول عليه السلام إذا قرأ في المسجد أصغى إليه الناس من مؤمن وكافر، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا : متى قرأ محمد صلى اللّه عليه وسلم، فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأرجاز حتى يخفى صوته
، وهذا الفعل هو اللغو. وقرأ الجمهور والفراء : بفتح الغين مضارع لغى بكسرها وبكر بن حبيب السهمي كذا في كتاب ابن عطية، وفي كتاب اللوامح. وأما في كتاب ابن خالويه، فعبد اللّه بن بكر السهمي وقتادة وأبو حيوة والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى : بخلاف عنهما، بضم الغين مضارع لغى بفتحها، وهما لغتان، أي ادخلوا فيه