البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٠٣
انتهى. نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا : يريدون في أسفل طبقة من النار، وهي أشد عذابا، وهي درك المنافقين. وتشديد النون في اللذين واللتين وهذين وهاتين حالة كونهما بالياء لا تجيزه البصريون، والقراءة بذلك في السبعة حجة عليهم.
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ، وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قال ابن عباس : نزلت في الصديق، قال المشركون : ربنا اللّه، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عنده. واليهود : ربنا اللّه، والعزير ابنه، ومحمد ليس بنبي، فلم يستقيما، والصديق قال : ربنا اللّه وحده لا شريك له، ومحمد عبده ورسوله، فاستقام. ولما أطنب تعالى في وعيد الكفار، أردفه بوعيد المؤمنين وليس المراد التلفظ بالقول فقط، بل لا بد من الاعتقاد المطابق للقول اللساني. وبدأ أولا بالذي هو أمكن في الإسلام، وهو العلم بربوبية اللّه، ثم أتبعه بالعمل الصالح، وهو الاستقامة. وعن سفيان بن عبد اللّه الثقفي، قلت للنبي، صلى اللّه عليه وسلم : أخبرني بأمر أعتصم به، قال :«قل ربي اللّه ثم استقم» قلت : ما أخوف ما تخاف علي، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلسان نفسه وقال :«هذا»
وعن الصديق : ثم استقاموا على التوحيد، لم يضطرب إيمانهم. وعن عمر : استقاموا للّه بطاعته لم يروغوا روغان الثعالب. وعن عثمان : أخلصوا العمل. وعن علي : أدوا الفرائض.
وقال أبو العالية، والسدي : استقاموا على الإخلاص والعمل إلى الموت. وقال الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا. وقال الفضل : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية. وقال الربيع : أعرضوا عن ما سوى اللّه تعالى. وقيل : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا. وعن الحسن وقتادة وجماعة : استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي. قال الزمخشري : وثم لتراخي الاستقامة عن الإقرار في