البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٠٧
وَما يُلَقَّاها : الضمير عائد على الفعلة والسجية التي هي الدفع بالأحسن. وقرأ طلحة بن مصرف، وابن كثير في رواية : وما يلاقاها : من الملاقاة. وقرأ الجمهور : من التلقي، وكأن هذه الخصلة الشريفة غائبة، فما يصادفها ويلقيها اللّه إلا لمن كان صابرا على الطاعات، صارفا عن الشهوات، ذا حظ عظيم من خصال الخير، قاله ابن عباس، فيكون مدحا أو ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من ثواب الآخرة، قاله قتادة، فيكون وعدا. وقيل : إلا ذو عقل. وقيل : ذو خلق حسن، وكرر وَما يُلَقَّاها تأكيدا لهذه الفعلة الجميلة الجليلة.
وقيل : الضمير في يلقاها عائد على الجنة. وحكى مكي : وَما يُلَقَّاها : أي شهادة أن لا إله إلا اللّه، وفيه بعد.
ولما أمر تعالى بدفع السيئة بالأحسن، كان قد يعرض للمسلم في بعض الأوقات مقابلة من أساء بالسيئة، فأمره، إن عرض له ذلك، أن يستعيذ باللّه، فإن ذلك من نزغ الشيطان، وتقدم تفسير نظير هذه الآية في أواخر الأعراف.
ولما بين تعالى أن أحسن الأعمال والأقوال هو نظير هذه الآية الدعوة إلى اللّه، أردفه بذكر الدلائل العلوية والسفلية، وعلى قدرته الباهرة وحكمته البالغة وحجته القاطعة، فبدأ بذكر الفلكيات بالليل والنهار، وقدم ذكر الليل، قيل تنبيها على أن الظلمة عدم والنور وجود، وناسب ذكر الشمس بعد النهار، لأنها سبب لتنويره ويظهر العالم فيه، ولأنها أبلغ في التنوير من القمر، ولأن القمر فيما يقولون مستفاد نوره من نور الشمس. ثم نهى تعالى عن السجود لهما، وأمر بالسجود للخالق تعالى. وكان ناس يعبدون الشمس، كما جاء في قصة بلقيس وقومها. والضمير في خَلَقَهُنَّ عائد على الليل والنهار والشمس والقمر. قال الزمخشري : لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى، أي الإناث، يقال : الأقلام بريتها وبريتهن. انتهى، يريد ما لا يعقل من الذكر، وكان ينبغي أن يفرق بين جمع القلة من ذلك، فإن الأفصح أن يكون كضمير الواحدة، تقول : الأجذاع انكسرت على الأفصح، والجذوع انكسرن على الأفصح.
والذي تقدّم في الآية ليس بجمع قلة، أعني بلفظ واحد، ولكنه ذكر أربعة متعاطفة، فتنزلت منزلة الجمع المعبر عنها بلفظ واحد. وقال الزمخشري : ولما قال : وَمِنْ آياتِهِ، كن في معنى الآيات، فقيل : خَلَقَهُنَّ. انتهى، يعني أن التقدير والليل والنهار والشمس والقمر آيات من آياته، فعاد الضمير على آيات الجمع المقدر في المجرور. وقيل : يعود على الآيات المتقدم ذكرها. وقيل : على الشمس والقمر، والاثنان جمع، وجمع ما