البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣١٢
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، ومثله كذلك : ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ «١».
ولما ذكر تعالى الملحدين في آياته، وأنهم لا يخفون عليه، والكافرين بالقرآن ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذيبهم، وقولهم : هل أنزل بلغة العجم؟ فقال : وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا : أي لا يفصح ولا تبين معانيه لهم لكونه بلغة العجم أو بلغة غير العرب، لم يتركوا الاعتراض، ولَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ : أي بينت لنا، وأوضحت حتى نفهمها. وقرأ الجمهور : أعجمي بهمزة الاستفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي، وقياسها في التخفيف التسهيل بين بين. وقرأ الإخوان، والأعمش، وحفص : بهمزتين، أي وقالوا منكرين : أقرآن أعجمي ورسول عربي؟ أو مرسل إليه عربي؟ وتأوله ابن جبير أن معنى قوله : أَعْجَمِيٌّ، ونحن عرب ما لنا وللعجمة. وقال ابن عطية : لأنهم ينكرون ذلك فيقولون : لو لا بين أعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن. انتهى. ولا يصح هذا التقسيم لأنه بالنسبة للقرآن، وهم إنما قالوا ما دل عليه قوله تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا، من اقتراحهم أن يكون أعجميا، ولم يقترحوا أن يكون القرآن أعجميا وعربيا. وقرأ الحسن، وأبو الأسود، والجحدري، وسلام، والضحاك، وابن عباس، وابن عامر بخلاف عنهما : أعجمي وعربي دون استفهام وسكون العين، فقيل معناه : أنهم قالوا : أعجمة وأعراب، إن هذا لشاذ. وقال ابن جبير معناه : لو لا فصل فصلين، فكان بعضه أعجميا يفهمه العجم، وبعضه عربيا يفهمه العرب. وقال صاحب اللوامح : لأنهم لما قالوا : لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ، أعادوا القول ثانيا فقالوا : أَعْجَمِيٌّ، وأضمر المبتدأ، أي هو أعجمي، والقرآن، أو الكلام، أو نحوها، والذي أتى به، أو الرسول عربي، كأنهم كانوا ينكرون ذلك. وقرأ عمرو بن ميمون : أعجمي بهمزة استفهام وفتح العين أن القرآن لو جاء على طريقة كائنة كانوا تعنتوا، لأنهم لا يطلبون الحق.
وقال صاحب اللوامح : والعجمي المنسوب إلى العجم، والياء للنسب على الحقيقة وأما إذا سكنت العين فهو الذي لا يفصح، والياء فيه بلفظ النسب دون معناه، فهو بمنزلة ياء كرسي وبختي، واللّه أعلم.
انتهى، وليست كياء كرسي بنيت الكلمة عليها، وياء أعجمي لم تبن الكلمة عليها. تقول العرب : رجل أعجم ورجل أعجمي، فالياء للنسبة الدالة على المبالغة في الصفة، نحو :
أحمري ودواري مبالغة في أحمر ودوار. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يصح أن يراد