البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣١٥
وتقريع. والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير اللّه، فيندرج فيه عباد الأوثان. قالُوا آذَنَّاكَ : أي أعلمناك، قال الشاعر :
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يملّ منه الثواء
وقال ابن عباس : أسمعناك، كأنه استبعد الإعلام للّه، لأن أهل القيامة يعلمون أن اللّه يعلم الأشياء علما واجبا، فالإعلام في حقه محال. والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين، لأنهم المحدث معهم. ما مِنَّا أحد اليوم، وقد أبصرنا وسمعنا. يشهد أن لك شريكا، بل نحن موحدون لك، وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ. وقيل : الضمير في قالوا عائد على الشركاء، أي قالت الشركاء : ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ بما أضافوا إلينا من الشرك، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام. والجملة من قوله : ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ في موضع المفعول. وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب. والظاهر أن قولهم : آذَنَّاكَ إنشاء، كقولك : أقسمت لأضربن زيدا، وإن كان إخبارا سابقا، فتكون إعادة السؤال توبيخا لهم.
وَضَلَّ عَنْهُمْما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ
: أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة، أو وَضَلَّ عَنْهُمْ : أي تلفت أصنامهم وتلاشت، فلم يجدوا منها نصرا ولا شفاعة، وَظَنُّوا : أي أيقنوا. قال السدي : ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ : أي من حيدة ورواغ من العذاب. والظاهر أن ظنوا معلقة، والجملة المنفية في موضع مفعولي ظنوا. وقيل : تم الكلام عند قوله : وَظَنُّوا، أي وترجح عندهم أن قولهم : ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ منجاة لهم، أو أمر يموهون به. والجملة بعد ذلك مستأنفة، أي يكون لهم منجا، أو موضع روغان.
لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ : هذه الآيات نزلت في كفار، قيل : في الوليد بن المغيرة وقيل : في عتبة بن ربيعة، وكثير من المسلمين يتصفون بوصف أولها من دعاء الخير، أي من طلب السعة والنعمة ودعاء مصدر مضاف للمفعول. وقرأ عبد اللّه : من دعاء بالخير، بباء داخلة على الخير، وفاعل المصدر محذوف تقديره : من دعاء للخير، وهو وإن مسه الشر، أي الفقر والضيق، فَيَؤُسٌ : أي فهو يؤوس قنوط، وأتى بهما صيغتي مبالغة. واليأس من صفة القلب، وهو أن يقطع رجاءه من الخير والقنوط : أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر. وبدأ بصيغة القلب لأنها هي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من الانكسار. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا : سمى النعمة رحمة، إذ هي من آثار رحمة اللّه.