البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٢٢
مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وقال ابن عباس : مكية إلا أربع آيات من قوله : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى إلى آخر الأربع آيات، فإنها نزلت بالمدينة. وقال مقاتل : فيها مدني قوله : ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى الصُّدُورِ. ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها أنه قال : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «١» الآية، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال. لما كفروا به قال هنا : كَذلِكَ، أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء، يُوحِي إِلَيْكَ : أي إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع، يتعهدك وقتا بعد وقت. وذكر المفسرون في حم عسق أقوالا مضطربة لا يصح منها شيء كعادتهم في هذه الفواتح، ضربنا عن ذكرها صفحا. وقرأ الجمهور : يوحي مبنيا للفاعل وأبو حيوة، والأعشى عن أبي بكر، وأبان : نوحي بنون العظمة ومجاهد، وابن وكثير، وعباس، ومحبوب، كلاهما عن أبي عمرو : يوحي مبنيا للمفعول واللّه مرفوع بمضمر تقديره أوحى، أو بالابتداء، التقدير : اللّه العزيز الحكيم الموحي وعلى قراءة نوحي بالنون، يكون اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مبتدأ وخبرا. ويوحي، إما في معنى أوجب حتى ينتظم قوله : وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ، أو يقرأ على موضوعه، ويضمر عامل يتعلق به إلى الذين تقديره : وأوحى إلى الذين من قبلك.
وتقدم الكلام على تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ في سورة مريم قراءة وتفسيرا. وقال الزمخشري : وروى يونس عن أبي عمرو قراءة عربية : تتفطرن بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر روي في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن. انتهى. والظاهر أن هذا وهم من الزمخشري في النقل، لأن ابن خالويه ذكر في شواذ القراءات له ما نصه : تفطرن بالتاء والنون، يونس عن أبي عمرو. وقال ابن خالويه : هذا حرف نادر، لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث. لا يقال : النساء تقمن، ولكن يقمن، والوالدات يرضعن. قد كان أبو عمر الزاهد روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشممن، فأنكرناه، فقد قواه، لأن هذا كلام ابن