البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٥٨
بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ
هذه السورة مكية، وقال مقاتل : إلا قوله : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا «١». وقال ابن عطية : بإجماع أهل العلم. إِنَّا جَعَلْناهُ، أي صيرناه، أو سميناه وهو جواب القسم، وهو من الأقسام الحسنة لتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد، ونظيره قول أبي تمام :
وثناياك أنها إغريض وقيل : والكتاب أريد به الكتب المنزلة، والضمير في جعلناه يعود على القرآن، وإن لم يتقدم له صريح الذكر لدلالة المعنى عليه. وقال الزمخشري : جعلناه، بمعنى صيرناه، معدى إلى مفعولين، أو بمعنى خلقناه معدى إلى واحد، كقوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ «٢». وقُرْآناً عَرَبِيًّا : حال. ولعل : مستعارة لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أي خلقناه عربيا غير عجمي. أراد أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا : لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ «٣». انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في كون القرآن مخلوقا. أُمِّ الْكِتابِ : اللوح المحفوظ، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب، وهذا فيه تشريف للقرآن، وترفيع بكونه. لديه عليا : على جميع الكتب، وعاليا عن وجوه الفساد. حكيما :
أي حاكما على سائر الكتب، أو محكما بكونه في غاية البلاغة والفصاحة وصحة المعاني.
قال قتادة وعكرمة والسدي : اللوح المحفوظ : القرآن فيه بأجمعه منسوخ، ومنه كان جبريل ينزل. وقيل : أم الكتاب : الآيات المحكمات، لقوله : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ «٤»، ومعناه : أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمات التي هي الأم. وقرأ الجمهور : في أم، بضم الهمزة، والإخوان بكسرها، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق، ولم يعزها للإخوان عقلة منه. يقال : ضرب عن كذا، وأضرب عنه، إذا أعرض عنه. والذكر، قال الضحاك وأبو صالح : القرآن، أي افترائي عنكم القرآن. وقولهم : ضرب الغرائب عن الحوض، إذا أدارها ونحاها، وقال الشاعر :
اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١.
(٣) سورة فصلت : ٤١/ ٤٤.
(٤) سورة آل عمران : ٣/ ٧.