البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٩٩
الإعراب، الرفع والنصب، إذا طالت النعوت. وقوله : إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، تحريك لهم بأنكم تقرون بأنه تعالى خالق العالم، وأنه أنزل الكتب، وأرسل الرسل رحمة منه، وأن ذلك منكم من غير علم وإيقان. ولذلك جاء : بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، أي في شك لا يزالون فيه يلعبون. فإقرارهم ليس عن حد ولا تيقن.
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.
قال علي بن أبي طالب : وابن عمر، وابن عباس، وسعيد الخدري، وزيد بن علي، والحسن : هو دخان يجيء يوم القيامة، يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين، حتى تكون مصلقة حنيذة.
وقال ابن مسعود، وأبو العالية، والنخعي : هو الدخان الذي رأته قريش. قيل لعبد اللّه : إن قاصا عند أبواب كندة يقول إنه دخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ أنفاس الناس، فقال : من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل : اللّه أعلم.
ألا وسأحدثكم أن قريشا لما استعصت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، دعا عليهم فقال :«اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف»، فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف، والعلهز.
والعلهز :
الصوف يقع فيه القراد فيشوى الصوف بدم القراد ويؤكل. وفيه أيضا : حتى أكلوا العظام.
وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان، وكان يحدث الرجل فيسمع الكلام ولا يرى المحدث من الدخان. فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه، وناشده اللّه والرحم، وواعدوه، إن دعا لهم وكشف عنهم، أن يؤمنوا. فلما كشف عنهم، رجعوا إلى شركهم. وفيه : فرحمهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، وبعث إليهم بصدقة ومال. وفيه : فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل اللّه عز وجل : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ «١»
، قال : يعني يوم بدر.
وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. وقال عبد الرحمن الأعرج : يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ، هو يوم فتح مكة، لما حجبت السماء الغبرة.
وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال، والدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن وفيه قلت : يا نبي اللّه، وما الدخان على هذه الآية : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ؟ وذكر بقية الحديث، واختصرناه بدخان مبين، أي ظاهر.
لا شك أنه دخان يَغْشَى النَّاسَ : يشملهم. فإن كان هو الذي رأته قريش، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة، وقد مضى كما قال ابن مسعود وإن كان من أشراط الساعة، أو يوم القيامة، فالناس عام فيمن أدركه وقت الاشراط، وعام بالناس يوم القيامة. هذا عَذابٌ