البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤١٣
التركيب : تنزيل الكتاب العزيز الحكيم من اللّه، لأن من اللّه، إما أن يكون متعلقا بتنزيل، وتنزيل خبر لحم، أو لمبتدأ محذوف، فلا يجوز الفصل به بين الصفة والموصوف، لا يجوز أعجبني ضرب زيد سوط الفاضل أو في موضع الخبر، وتنزيل مبتدأ، فلا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف أيضا، لا يجوز ضرب زيد شديد الفاضل، والتركيب الصحيح في نحو هذا أن يلي الصفة موصوفها.
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، احتمل أن يريد : في خلق السموات، كقوله : وَفِي خَلْقِكُمْ، والظاهر أنه لا يراد التخصيص بالخلق، بل في السموات والأرض على الإطلاق والعموم، أي في أي شيء نظرت منهما من خلق وغيره، من تسخير وتنوير وغيرهما، لَآياتٍ : لم يأت بالآيات مفصلة، بل أتى بها مجملة، إحالة على غوامض يثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع. وجعلها لِلْمُؤْمِنِينَ، إذ في ضمن الإيمان العقل والتصديق.
وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ، أي في غير جنسكم، وهو معطوف على : وَفِي خَلْقِكُمْ. ومن أجاز العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، أجاز في وَما يَبُثُّ أن يكون معطوفا على الضمير وَفِي خَلْقِكُمْ، وهو مذهب الكوفيين، ويونس، والأخفش وهو الصحيح، واختاره الأستاذ أبو علي الشلوبين. وقال الزمخشري : يقبح العطف عليه، وهذا تفريع على مذهب سيبويه وجمهور البصريين، قال : وكذلك أن أكدوه كرهوا أن يقولوا : مررت بك أنت وزيد. انتهى. وهذا يجيزه الجرمي والزيباري في الكلام، وقال :
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ : وهم الذين لهم نظر يؤديهم إلى اليقين.
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ : تقدم الكلام على نظيره في سورة البقرة. وقرأ الجمهور : آيات، جمعا بالرفع فيهما والأعمش، والجحدري، وحمزة، والكسائي، ويعقوب : بالنصب فيهما وزيد بن علي برفعهما على التوحيد. وقرأ أبي، وعبد اللّه :
لآيات فيهما، كالأولى. فأما : آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ رفعا ونصبا، فاستدل به وشبهه مما جاء في كلام الأخفش، ومن أخذ بمذهبه على عطف معمولي عاملين بالواو، وهي مسألة فيها أربعة مذاهب، ذكرناها في (كتاب التذييل والتكميل لشرح التسهيل). فأما ما يخص هذه الآية، فمن نصب آيات بالواو عطفت، واختلاف على المجرور بفي قبله وهو : وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ، وعطف آيات على آيات، ومن رفع فكذلك، والعاملان أولاهما إن وفي، وثانيهما الابتداء وفي. وقال الزمخشري : أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر، واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات، وإذا رفعت والعاملان الابتداء، وفي عملت