البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤١٩
لما ذكر تعالى إنعامه على بني إسرائيل واختلافهم بعد ذلك، ذكر حال نبيه عليه الصلاة والسلام وما منّ به عليه من اصطفائه فقال : ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ. قال قتادة : الشريعة : الأمر، والنهي، والحدود، والفرائض. وقال مقاتل : البينة، لأنها طريق إلى الحق. وقال الكلبي : السنة، لأنه كان يستن بطريقة من قبله من الأنبياء. وقال ابن زيد : الدّين، لأنه طريق إلى النجاة. والشريعة في كلام العرب :
الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه، ومنه قول الشاعر :
وفي الشرائع من جيلان مقتنص رب الثياب خفي الشخص منسرب
فشريعة الدّين من ذلك، من حيث يرد الناس أمر اللّه ورحمته والقرب منه، من الأمور التي من دين اللّه الذي بعثه في عباده في الزمان السالف أو يكون مصدر أمر، أي من الأمر والنهي، وسمي النهي أمرا. أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، قيل : جهال قريظة والنضير.
وقيل : رؤساء قريش، حين قالوا : أرجع إلى دين آبائك. هذا بَصائِرُ : أي هذا القرآن جعل ما نافية من معالم الدين، بصائر للقلوب، كما جعل روحا وحياة. وقرىء : هذى، أي هذه الآيات. أَمْ حَسِبَ
: أم منقطعة تتقدر ببل والهمزة، وهو استفهام إنكار. وقال الكلبي : نزلت في عليّ، وحمزة، وعبيدة بن الحرث، وفي عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة.
قالوا للمؤمنين : واللّه ما أنتم على شيء، ولئن كان ما تقولون حقا، لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما هو أفضل في الدنيا. واجترحوا : اكتسبوا، والسيئات : هنا سيئات الكفر ونجعلهم : نصيرهم، والمفعول الثاني هو كالذين، وبه تمام المعنى. وقرأ الجمهور : سواء بالرفع، ومماتهم بالرفع أيضا وأعربوا سواء : مبتدأ، وخبره ما بعده، ولا مسوغ لجواز الابتداء به، بل هو خبر مقدم، وما بعده المبتدأ. والجملة خبر مستأنف واحتمل الضمير في مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
أن يعود على الَّذِينَ اجْتَرَحُوا
، أخبر أن حالهم في الزمانين سواء، وأن يعود على المجترحين والصالحين بمعنى : أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء في إهانتهم عند اللّه وعدم كرامتهم عليه، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى، وذهن السامع يفرقه، إذ قد تقدم إبعاد اللّه أن يجعل هؤلاء كهؤلاء. قال أبو الدرداء : يبعث الناس على ما ماتوا عليه. وقال مجاهد : المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا ٧ والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا.
وقال ابن عطية : مقتضى هذا الكلام أنه لفظ الآية ويظهر لي أن قوله : سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ
داخل في المحسنة المنكرة السيئة، وهذا احتمال حسن، والأول أيضا