البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٢١
مفعول نجعلهم، والمفعول الثاني سواء، أي أن يجعل محياهم ومماتهم سواء. وقال الزمخشري : ومن قرأ ومماتهم بالنصب، جعل محياهم ومماتهم ظرفين، كمقدم الحاج وخفوق النجم، أي سواء في محياهم وفي مماتهم، والمعنى : إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيا، وأن يستووا مماتا، لافتراق أحوالهم وتمثيله بقوله : وخفوق النجم ليس بجيد، لأن خفوق مصدر ليس على مفعل، فهو في الحقيقة على حذف مضاف، أي وقت خفوق النجم، بخلاف محيا وممات ومقدم، فإنها تستعمل بالوضع مصدرا واسم زمان واسم مكان، فإذا استعملت اسم مكان أو اسم زمان، لم يكن ذلك على حذف مضاف قامت هذه مقامه، لأنها موضوعة للزمان وللمكان، كما وضعت للمصدر فهي مشتركة بين هذه المدلولات الثلاثة، بخلاف خفوق النجم، فإنه وضع للمصدر فقط.
وقد خلط ابن عطية في نقل القرآن، وله بعض عذر. فإنه لم يكن معربا، فقال : وقرأ طلحة بن مصرف، وعيسى بخلاف عنه : سواء بالنصب، محياهم ومماتهم بالرفع، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص، والأعمش : سواء بالنصب، محياهم ومماتهم بالنصب ووجه كلا من القرائتين على ما تقتضيه صنعة الإعراب، وتبعه على هذا الوهم صاحب التحرير، وهو معذور، لأنه ناسخ من كتاب إلى كتاب والصواب ما استبناه من القراءات لمن ذكرنا.
ويستنبط من هذه الآية تباين حال المؤمن العاصي من حال الطائع، وإن كانت في الكفار، وتسمى مبكاة العابدين. وعن تميم الداري، رضي اللّه عنه، أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام، فبلغ هذه الآية، فجعل يبكي ويردد إلى الصباح : ساءَ ما يَحْكُمُونَ
. وعن الربيع بن خيثم، أنه كان يردّدها ليلة أجمع، وكذلك الفضيل بن عياض، كان يقول لنفسه :
ليت شعري من أي الفريقين أنت؟ وقال ابن عطية : وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر، بدليل معادلته بالإيمان ويحتمل أن تكون المعادلة هي بالاجتراح وعمل الصالحات، ويكون الإيمان في الفريقين، ولهذا بكى الخائفون.
ساءَ ما يَحْكُمُونَ
: هو كقوله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا «١»، وتقدم إعرابه في البقرة.
وقال ابن عطية : هنا ما مصدرية، والتقدير : ساء الحكم حكمهم. بِالْحَقِّ : بأن خلقها حق، واجب لما فيه من فيض الخيرات، وليدل عليه دلالة الصنعة على الصانع.
وَلِتُجْزى : هي لام كي معطوفة على بالحق، لأن كلّا من التاء واللام يكونان للتعليل،