البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٣٢
قوله : قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ «١». والذي يظهر أن ما تدعون مفعول أرأيتم، كما هو في قوله : قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ «٢» في سورة فاطر وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة فيها. وقد أمضى الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام، فيطالع هناك :
ومِنَ الْأَرْضِ، تفسير للمبهم في : ما ذا خَلَقُوا. والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض، أي خلق ذلك إنما هو للّه، أو يكون على حذف مضاف، أي من العالي على الأرض، أي على وجهها من حيوان أو غيره. ثم وقفهم على عبارتهم فقال : أَمْ لَهُمْ : أي : بل.
أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا : أي من قبل هذا الكتاب، وهو القرآن، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك، وكل كتب اللّه المنزلة ناطقة بذلك فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير اللّه.
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ، أي بقية من علم، أي من علوم الأولين، من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من شحم، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب. والأثارة تستعمل في بقية الشرف يقال : لبني فلان أثارة من شرف، إذا كانت عندهم شواهد قديمة، وفي غير ذلك قال الراعي :
وذات أثارة أكلت علينا نباتا في أكمته قفارا
أي : بقية من شحم. وقرأ الجمهور : أو أثارة، وهو مصدر، كالشجاعة والسماحة، وهي البقية من الشيء، كأنها أثرة. وقال الحسن : المعنى : من علم استخرجتموه فتثيرونه. وقال مجاهد : المعنى : هل من أحد يأثر علما في ذلك؟ وقال القرطبي : هو الإسناد، ومنه قول الأعشى :
إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والأثر
أي : وللمستدعين غيره ومنه قول عمر رضي اللّه عنه : فما خلفت به ذاكرا ولا آثرا. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة : المعنى : أو خاصة من علم، فاشتقاقها من الأثرة، فكأنها قد آثر اللّه بها من هي عنده. وقال ابن عباس : المراد بالأثارة : الخط في التراب، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره. الأثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب، وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه. وقيل : إن صح تفسير ابن عباس الأثارة بالخط في التراب، كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم. وقرأ
(٢) سورة فاطر : ٣٥/ ٤٠.